ضمن وفد مصري رفيع المستوى، واصلت الدكتورة رانيا المشاط، وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي، مشاركاتها المكثفة في فعاليات المؤتمر الدولي الرابع لتمويل التنمية، والذي تحتضنه مدينة إشبيلية الإسبانية في فترة بالغة الحساسية من عمر الاقتصاد العالمي، وتمثل مفترق طرق أمام منظومة التنمية المستدامة عالميًا.
من منصة إشبيلية إلى منصة "نُوفّي".. نقل التجربة لا التكرار
في واحد من أبرز لقاءات المؤتمر، تحدثت المشاط في مؤتمر صحفي خاص حول "منصة إشبيلية للعمل"، كإطار أممي جديد لتحفيز المبادرات التنموية عبر أدوات تمويل مرنة، مؤكدة أن التجارب الوطنية، وفي مقدمتها التجربة المصرية مع منصة "نُوفّي"، يمكن أن تمثل ركيزة إرشادية للعديد من الدول الباحثة عن مواءمة بين تمويل المناخ والتنمية دون الإخلال بأولوياتها السيادية.
قالت الوزيرة إن الشراكة لا تُقاس فقط بحجم التمويل، بل بمدى الالتزام والعمل المشترك، مضيفة: "نحن لا نبحث فقط عن داعمين ماليين، بل عن حلفاء تنمويين يتشاركون معنا الرؤية ويحملون نفس القدر من المسؤولية تجاه المستقبل."
ديناميكية الدَّين: بين مرونة التحليل وحتمية الإصلاح
وشهدت جلسة "الاستثمار في المناخ والتنمية" مداخلة مهمة من الوزيرة، وضعت خلالها خطوطًا حمراء أمام الطرق التقليدية في تحليل استدامة الدين، مطالبة بإعادة النظر في آليات صندوق النقد والبنك الدوليين، لتراعي بشكل واقعي مخاطر المناخ وتكلفة التكيّف.
كما أعادت التذكير بمبادرة بريدجتاون، التي قادتها الدول النامية لإصلاح المنظومة المالية العالمية، مشيرة إلى أن إصلاحًا حقيقيًا يبدأ حين تُمنح الدول القدرة على استقطاب القطاع الخاص دون أن تكون مُقيدة بقيود تاريخية لا تواكب تحديات الحاضر.
منصة جديدة للخبرات.. ومصر تعرض رصيدها من الممارسات الجيدة
وفي جلسة دولية نظمتها الأمم المتحدة حول التمويل المؤثر، طرحت المشاط التقرير المصري الأحدث عن "التمويل التنموي لتمكين القطاع الخاص"، والذي يوثق تمويلات ميسرة تجاوزت 15.6 مليار دولار خلال خمس سنوات، داعية إلى إنشاء منصة لتبادل الخبرات الفنية والتقنية بين دول الجنوب، بدلًا من الاقتصار على المساعدات المالية فقط.
وأكدت أن مصر لا تكتفي بتلقي الدعم الفني، بل باتت دولة مانحة للخبرات الإقليمية، وأنها على أتم الاستعداد للمشاركة في أي منصة دولية تتبنى فكرة التبادل المعرفي التطبيقي في ملفات المناخ والتمويل والتنمية.
الرسالة الأهم: الدول لا تطلب المساعدة.. بل تطلب الاحترام
خلال النقاشات المتعددة، ظلت رسالة الوزيرة واضحة: الدول النامية ليست عبئًا على النظام المالي الدولي، بل شركاء في إصلاحه. واعتبرت أن "الملكية الوطنية" لأي برنامج تنموي لا تعني فقط قرارًا سياديًا، بل تعني مسؤولية كاملة في تنسيق جهود كافة الشركاء الدوليين ضمن رؤية واحدة واضحة.
واختتمت مداخلاتها بالتأكيد على أن تعزيز الثقة، وتوفير بيئة مالية مرنة، وإصلاح الهياكل الدولية، كلها شروط لا غنى عنها إذا أرادت الدول والمؤسسات الكبرى معًا إنقاذ أجندة 2030 من التآكل في ظل الأزمات المتلاحقة.
