لا شك أن المشاركة السياسية تتدرج من المشاركة في مناقشة الاخبار والأحداث السياسية والعامة، إلى المشاركة في إدارة مؤسسات المجتمع المدني، ومراكز الشباب، ثم المشاركة في الكيانات والاتحادات الشبابية، ثم المشاركة في انتخابات النقابات المهنية، وأخيرا، تنتهي بالمشاركة في انتخابات المجالس النيابية لمجلسي النواب والشيوخ.
إلا أنه من المؤكد أن معايير اختيار المرشحين لعضوية المجالس النيابية قد اختلفت عما سبق. فقد كانت تلك المعايير من قبل تتمثل في مقدار الثقافة السياسية والعلم والواجهة الاجتماعية والتأثير العائلي أو مدى الانتماء إلى عائلات كبيرة ذات خبرة وتواجد سياسي، ومن ثم تكون الاختيارات معبرة عن فكر وثقافة ورضا الشارع السياسي. أما الآن فقد اختلفت تلك المعايير وإن شئت قل اختزلت في الملاءة أو القدرة المالية بعدما أشيع مؤخرا، وتحديدا بعد ثورة يناير ٢٠١١ فكرة الكرسي لمن يقدر ، ومن ثم وجدنا ممثلينا في المجالس النيابية لا ثقافة ولا علم ولا قدرة على المناقشة أو البحث أو الدراسة وهي الأدوات، التي ينبغي أن يتسلح بها البرلماني لممارسة دوره في السؤال أو طلب الإحاطة أو حتى الاستجواب وسحب الثقة. وباتت المجالس النيابية لرجل الشارع العادي غير ذي جدوى لاحساسهم بأنها لا هى تناقش مشكلاتهم أو تعبر عن احتياجاتهم وأمالهم، وأنه لا دور لها سوى موافقة الحكومة والتصديق على قراراتها ومشاريع قوانينها من جانب وضمان الحصانة والواجهة الاجتماعية وحماية مصالح عضو البرلمان من جهة أخرى.
ولما كانت الانتخابات تجرى بنظام القائمة والفردي، فإن تسارع رجال المال والأعمال على القائمة لضمان النجاح صنع معيارا جديدا للحاق بالقائمة، وهو القدرة المالية الضخمة أو الثراء الفاحش للمرشح، الذي يمكنه من دفع تكلفة اللحاق بالقائمة، رغم أن فلسفة نظام القائمة في الأساس هو محاولة تمثيل الفئات الهامة وغير القادرة على المنافسة في ظل غياب تكافؤ الفرص مثل المرأة والشباب وذوي الاحتياجات الخاصة، بالإضافة إلى من تم اختبارهم فعليا في المنافسات الواقعية كنقباء النقابات المهنية، وكذلك أصحاب الفكر والعلم كأساتذة الجامعات.
وأعتقد أن حال محافظة بني سويف ليس ببعيد عن بقية محافظات الجمهورية من حيث نوعية المتطلعين للمجالس النيابية والذين يتمحورون حول رجال المال والأعمال منذ ٢٠١٥ مع غياب تام لاصحاب الفكر والعلم والثقافة ومنتسبي العائلات السياسية الكبرى. فهل تشهد انتخابات المجالس النيابية القادمة اختيارات مغايرة لما سبق منذ ٢٠١٥. وهل يكون لأهل العلم والثقافة والخبرة من أساتذة الجامعات، وكذلك ممثلي النقابات المهنية المختلفة نصيبا في التمثيل في القوائم بإعتبارهم فئات يجب تمثيلها أسوة بالمرأة والشباب وذوي الاحتياجات الخاصة.
أما عن المنافسة البرلمانية وخريطة ثقل الأحزاب السياسية في محافظة بني سويف في الانتخابات البرلمانية القادمة فهذا موضوع حديثنا في المقال القادم. حفظ الله مصر .. وحفظ الله شعب مصر الكريم.
كاتب المقال: د. جمال عبد المطلب استاذ الاجتماع بجامعة بني سويف
