في كلمته خلال مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية «الأونكتاد» المنعقد بمدينة جنيف السويسرية، شدد الدكتور أحمد كجوك، وزير المالية، على أن مصر تدعم بقوة الجهود الدولية الرامية إلى تعزيز مسار "التمويل من أجل التنمية" وخفض تكاليف التمويل للدول النامية، مؤكدًا أن تحقيق التنمية المستدامة يتطلب تعاونًا عالميًا قائمًا على التنسيق وتوحيد الرؤى حول ملفات التجارة والاستثمار والتمويل بما يخدم مصالح الشعوب.
وأوضح الوزير أن التحديات الاقتصادية المتصاعدة عالميًا، وعلى رأسها ارتفاع تكاليف الاقتراض وتباطؤ النمو في الأسواق الناشئة، تتطلب مقاربة شاملة تربط بين سياسات التجارة والتمويل وأهداف التنمية المستدامة، بما يضمن تعزيز قدرة الاقتصادات النامية على تلبية احتياجات مواطنيها وتحقيق العدالة الاجتماعية.
وأشار كجوك إلى أن التعاون الدولي في مجال تمويل التنمية أصبح ضرورة ملحة في ظل المتغيرات الاقتصادية العالمية، موضحًا أن الدول النامية تحتاج إلى حيز مالي أوسع لتلبية متطلبات النمو، من خلال أدوات تمويل مبتكرة تشمل التمويل المدمج، وسندات الاستدامة، وآليات مبادلة الديون بالاستثمار الأخضر، إلى جانب دعم مبادرات التمويل منخفض التكلفة للشركات الناشئة.
وأكد الوزير أن مصر، من خلال برامجها الإصلاحية المتواصلة، تقدم نموذجًا عمليًا لكيفية إدارة الموارد بكفاءة، بالتوازي مع تعزيز الاستثمار في رأس المال البشري والبنية التحتية، مشيرًا إلى أن الحكومة تعمل على تحسين بيئة الاستثمار ودفع حركة التجارة لتصبح مصر مركزًا إقليميًا للتصنيع والتصدير في الشرق الأوسط وأفريقيا.
وأضاف كجوك أن ربط التجارة بأهداف التنمية المستدامة يمثل أحد المحاور الرئيسية لرؤية الدولة المصرية، حيث يجري العمل على تعزيز تنافسية الاقتصاد الوطني عبر دعم سلاسل التوريد وتحسين كفاءة الخدمات اللوجستية، إلى جانب زيادة معدلات التصدير ورفع القيمة المضافة للمنتجات المحلية.
وأشار الوزير إلى أن الحكومة المصرية، بالتعاون بين وزارتي المالية والاستثمار والتجارة الخارجية، تتبنى خطة متكاملة لتبسيط إجراءات تأسيس الشركات وتقليل الرسوم المرتبطة بالاستثمار، مما يخلق بيئة أكثر جذبًا لرؤوس الأموال المحلية والأجنبية.
وأوضح أن هذه الجهود أسهمت في تحقيق زيادة قدرها 73% في حجم الاستثمارات الخاصة خلال العام المالي الماضي، كما سجلت الصادرات غير البترولية والصادرات الخدمية نموًا ملحوظًا، وهو ما يعكس نجاح السياسات الاقتصادية في تحفيز القطاع الخاص وتعزيز قدرته الإنتاجية.
وقال الوزير إن مصر تتطلع إلى تعزيز التعاون الدولي في مجال التمويل الميسر والمستدام، بما يسمح بتمويل مشروعات البنية التحتية والانتقال إلى الاقتصاد الأخضر، مشيرًا إلى أن التمويل من أجل التنمية لا يقتصر على الدعم المالي فقط، بل يشمل أيضًا نقل المعرفة والتكنولوجيا وبناء القدرات المؤسسية للدول النامية.
وأضاف كجوك أن الحكومة المصرية تدرك تمامًا أهمية استحداث أدوات تمويل جديدة تتناسب مع طبيعة التحديات التي تواجه الاقتصادات النامية، مؤكدًا أن القاهرة تتابع عن كثب التطورات في مجال التمويل الأخضر وسندات الاستدامة، وتسعى لتوسيع نطاق استخدامها لتمويل مشروعات الطاقة المتجددة والنقل النظيف وإدارة المخلفات.
وأشار إلى أن مصر تشجع مبادرات مبادلة الديون بالاستثمار الأخضر كآلية فعالة لتقليل أعباء الديون، وتحقيق استفادة مزدوجة للدولة والمستثمر، من خلال توجيه الموارد إلى مشروعات بيئية واقتصادية ذات عائد مستدام.
وأكد الوزير في ختام كلمته، أن التعاون الدولي العادل في مجالات التجارة والتمويل هو السبيل الأمثل لمواجهة التحديات الاقتصادية العالمية، داعيًا إلى وضع إطار دولي منسق لخفض تكاليف التمويل على الدول النامية، وزيادة تدفقات الاستثمار طويل الأجل لدعم مشروعات التنمية والبنية التحتية.
وشدد كجوك على أن مصر تؤمن بأن التنمية لا تتحقق بمعزل عن الشراكة الدولية، وأن بناء اقتصاد عالمي أكثر توازنًا وعدالة يتطلب من جميع الأطراف – دولًا ومؤسسات مالية ومنظمات دولية – أن تتحمل مسؤولياتها في دعم الدول النامية وتمكينها من تحقيق أهداف التنمية المستدامة، مؤكدًا أن التجربة المصرية خلال السنوات الأخيرة تمثل نموذجًا واقعيًا لما يمكن أن تحققه الإرادة السياسية والإصلاح المؤسسي عندما يقترنان برؤية واضحة للتنمية.

