في خطوة جديدة تؤكد التوجه الوطني نحو التحول الرقمي والشمول المالي، أصدرت الهيئة العامة للرقابة المالية القرار رقم 226 لسنة 2025، الذي يتضمن تعديلات جوهرية على القرار رقم 61 لسنة 2017، بهدف تعزيز حماية حسابات المتعاملين في سوق المال وتحديث آليات صرف الأرباح والعوائد باستخدام الوسائل التكنولوجية الحديثة.
وينص القرار على إلزام الشركات العاملة في نشاط أمناء الحفظ بالتأكد من وجود حسابات بنكية سارية لعملائها بأحد البنوك المسجلة لدى البنك المركزي المصري قبل السماح لهم بفتح حسابات للتعامل في الأوراق المالية، سواء بيعًا أو شراءً، مع ضرورة إخطار شركة الإيداع والقيد المركزي ببيانات تلك الحسابات.
وتهدف الخطوة إلى ضمان مزيد من الأمان والشفافية في المعاملات المالية داخل سوق المال، وربط جميع العمليات بالنظام المصرفي الرسمي، بما يحدّ من التعاملات النقدية المباشرة، ويواكب في الوقت ذاته خطة الدولة للتحول الرقمي وتعزيز الشمول المالي.
كما أتاح القرار الجديد خيارات متعددة لصرف أرباح المستثمرين، بعيدًا عن الأسلوب التقليدي المتمثل في الصرف النقدي المباشر. حيث أجازت الهيئة للمستثمرين استلام مستحقاتهم المالية من خلال التحويل إلى الحساب البنكي المسجل لدى البنك المركزي، أو من خلال التحويل المباشر على المحفظة الإلكترونية الخاصة بالعميل، أو عبر بطاقات الصرف الآلي المخصصة لتوزيعات الأرباح. كما فُتح الباب أمام اعتماد وسائل تكنولوجية جديدة مستقبلًا لتيسير عملية التوزيع وفق المعايير التي تعتمدها الهيئة.
وحددت الهيئة مهلة زمنية قدرها عام كامل أمام المتعاملين الحاليين لتوفيق أوضاعهم وفتح حسابات بنكية، لضمان تطبيق القرار دون تعطيل لمصالح المستثمرين. وخلال هذه الفترة، ستستمر عمليات صرف الأرباح والعوائد بالطريقة النقدية المعتادة من خلال منافذ شركة الإيداع والقيد المركزي، إلى أن يتم الانتهاء من دمج جميع المتعاملين داخل المنظومة المصرفية الإلكترونية الجديدة.
ويُعد هذا القرار أحد أهم خطوات الهيئة في تطوير بنية سوق المال المصري، إذ يعزز من كفاءة التعاملات المالية ويحد من المخاطر المرتبطة بالصرف النقدي، إلى جانب مساهمته في بناء قاعدة بيانات مالية دقيقة تُسهم في دعم عملية الرقابة والإشراف على الشركات العاملة في هذا القطاع الحيوي.
وأكدت الهيئة العامة للرقابة المالية أن تفعيل الوسائل التكنولوجية في توزيع الأرباح والعوائد سيُحدث نقلة نوعية في منظومة سوق المال، مشيرة إلى أن القرار يعكس استراتيجية الهيئة في التوسع باستخدام التكنولوجيا المالية (FinTech) بما يتماشى مع المعايير العالمية في إدارة الأسواق المالية.
كما أشارت إلى أن إتاحة استخدام التطبيقات الإلكترونية لإدخال بيانات الحسابات البنكية يُعد خطوة متقدمة نحو تكامل الأنظمة الرقمية بين المستثمرين والشركات وشركة الإيداع والقيد المركزي، مما يقلل الوقت والإجراءات، ويضمن للمستثمرين سهولة وسرعة في الحصول على مستحقاتهم بأعلى درجات الأمان المالي.
ويأتي القرار في وقت تشهد فيه سوق المال المصرية تحولات تنظيمية وتشريعية متسارعة، تستهدف تعزيز الثقة في السوق المحلية وجذب مزيد من الاستثمارات الأجنبية، من خلال تحسين البنية التحتية الرقمية وتوسيع قاعدة الشمول المالي. كما يُتوقع أن تسهم هذه الإجراءات في دعم جهود الدولة نحو تقليص التعامل النقدي وتعزيز الاعتماد على الوسائل الإلكترونية في المدفوعات والتحويلات.
ويعكس القرار أيضًا حرص الهيئة على حماية حقوق المستثمرين والمساهمين، وتوفير آليات مرنة وآمنة للحصول على مستحقاتهم، بما يواكب التطور التكنولوجي في الأسواق المالية العالمية، ويؤكد مكانة السوق المصرية كإحدى الأسواق الإقليمية الجاذبة للاستثمار في المنطقة.
وبذلك تضع الهيئة العامة للرقابة المالية لبنة جديدة في مسار التحول نحو سوق مالية رقمية متكاملة، قوامها الشفافية والحوكمة والاستدامة، بما يضمن تعزيز كفاءة الأداء المالي، وتوسيع قاعدة التعاملات الإلكترونية في منظومة الاستثمار الوطنية.

