أكدت الدكتورة رانيا المشاط، وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي، أن العلاقات بين مصر والاتحاد الأوروبي لم تعد مقتصرة على التمويل والمساعدات، بل أصبحت شراكة استراتيجية تقوم على رؤية واضحة للمستقبل وتعظيم الفرص الاستثمارية المشتركة، مشددة على أن التجارب الأوروبية الناجحة في السوق المصرية تمثل رسالة ثقة لمزيد من الاستثمارات خلال المرحلة المقبلة.
جاء ذلك خلال مشاركتها كمتحدث رئيسي في المنتدى الاقتصادي المصاحب للقمة المصرية الأوروبية المنعقدة في العاصمة البلجيكية بروكسل، بمشاركة الرئيس عبد الفتاح السيسي، ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، وعدد من الوزراء المصريين والمسؤولين الأوروبيين.
وشهد المنتدى حضور أكثر من 300 من ممثلي كبرى الشركات الأوروبية، إلى جانب مؤسسات تمويل دولية وبنوك تنموية وهيئات استثمارية، إضافة إلى وفد مصري يضم نحو 100 شركة من قطاعات مختلفة، في خطوة تعكس الاهتمام المتبادل بتعميق العلاقات الاقتصادية بين الجانبين.
وفي كلمتها خلال جلسة بعنوان «بناء ممر استثماري استراتيجي بين مصر وأوروبا»، استعرضت «المشاط» ملامح التطور الاقتصادي في مصر منذ عام 2024، مشيرة إلى أن الإجراءات المالية والنقدية التي تبنتها الدولة أسهمت في تحقيق استقرار ملحوظ في مؤشرات الاقتصاد الكلي، وإعادة الثقة للمستثمرين المحليين والأجانب.
وأوضحت الوزيرة أن الربع الأخير من العام المالي الماضي شهد نمواً في الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 5%، بينما بلغ معدل النمو السنوي 4.4%، مدفوعاً بتحسن أداء قطاعات الصناعات التحويلية غير البترولية، والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، والسياحة، وهو ما يعكس — بحسب قولها — قدرة الاقتصاد المصري على تحقيق معدلات نمو إيجابية رغم الظروف الجيوسياسية والاقتصادية الصعبة إقليمياً ودولياً.
وأضافت المشاط أن الحكومة تواصل تنفيذ برنامج الإصلاح الهيكلي الوطني الذي يهدف إلى تعزيز بيئة الأعمال ودعم التحول نحو القطاعات ذات القيمة المضافة العالية، مؤكدة أن هذا البرنامج يمثل المرحلة الثانية من الإصلاح الاقتصادي الذي يستهدف خلق اقتصاد أكثر مرونة وتنافسية.
كما شددت على أن مصر تتبنى نموذجاً تنموياً جديداً يقوم على التنسيق بين جميع الجهات الحكومية والقطاع الخاص، وهو ما تم توثيقه في “السردية الوطنية للتنمية الاقتصادية”، التي تصف بوضوح ملامح النموذج الاقتصادي الجديد القائم على الابتكار والإنتاجية العالية والاقتصاد الأخضر.
وأشارت الوزيرة إلى أن التحول الأخضر أصبح أحد محاور التعاون الرئيسية بين مصر والاتحاد الأوروبي، خاصة في مجالات الطاقة المتجددة، والهيدروجين الأخضر، وتحلية المياه، لافتة إلى أن مصر تسعى لأن تصبح مركزاً إقليمياً للطاقة النظيفة، بما يتيح فرصاً استثمارية ضخمة للشركات الأوروبية العاملة في هذا المجال.
ودعت المشاط الشركات الأوروبية إلى استغلال الفرص الواعدة في السوق المصرية، سواء في مجالات التصنيع، أو النقل المستدام، أو التكنولوجيا، مؤكدة أن التجارب الاستثمارية السابقة أثبتت قدرة مصر على توفير بيئة أعمال جاذبة ومستقرة، مشيرة في الوقت ذاته إلى أن الحكومة تمضي قدماً في استكمال الإصلاحات التنظيمية والإجرائية لتحسين مناخ الاستثمار وضمان استدامة النمو.
كما أوضحت الوزيرة أن الحكومة المصرية تعمل من خلال المجموعة الاقتصادية كفريق عمل متكامل، يتبنى منهجية تقوم على الشفافية والتنسيق في وضع السياسات الاقتصادية، مؤكدة أن هذا النهج أسهم في الحفاظ على استقرار الاقتصاد المصري في ظل تحديات عالمية متسارعة.
وتطرقت المشاط إلى أهمية الشراكات مع مؤسسات التمويل الأوروبية مثل البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية، وبنك الاستثمار الأوروبي، مشيرة إلى أن هذه المؤسسات كانت شريكاً أساسياً في تمويل وتنفيذ مشروعات كبرى في مجالات الطاقة المتجددة والنقل ومعالجة المياه.
وأكدت أن المرحلة المقبلة ستشهد توسعاً في التعاون مع القطاع الخاص الأوروبي في قطاعات استراتيجية جديدة، خاصة الصناعات الخضراء، مشيرة إلى أن مصر تمتلك مقومات تؤهلها لتكون بوابة أوروبا إلى أفريقيا في مجال الاستثمار المستدام.
واختتمت الوزيرة كلمتها بالتأكيد على أن العلاقات المصرية الأوروبية تسير نحو آفاق أكثر عمقاً، وأن المرحلة الحالية تمثل فرصة حقيقية لبناء ممر اقتصادي وتنموي متكامل بين ضفتي المتوسط، يعزز من مكانة مصر كمركز محوري في سلاسل الإمداد العالمية، ويسهم في تحقيق التنمية المستدامة لكلا الجانبين.

