في إطار حرص الدولة المصرية على تسريع خطوات التحول نحو الطاقة النظيفة وتعزيز مشروعات الاستدامة، عقد الدكتور محمود عصمت وزير الكهرباء والطاقة المتجددة اجتماعًا موسعًا مع وفد رفيع المستوى من شركة أبوظبي لطاقة المستقبل "مصدر" الإماراتية، برئاسة المهندس محمد جميل الرمحي الرئيس التنفيذي للشركة، وذلك بمقر الوزارة بالعاصمة الإدارية الجديدة.
جاء اللقاء ليؤكد عمق الشراكة المصرية الإماراتية في مجال الطاقة، وليعيد التأكيد على أهمية الدور المحوري الذي يلعبه القطاع الخاص في تنفيذ مشروعات الاستراتيجية الوطنية للطاقة، والتي تستهدف تنويع مصادر التوليد وتخفيض الاعتماد على الوقود التقليدي، مع التوسع في الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والتقنيات الحديثة الخاصة بتخزين الكهرباء.
شراكة ممتدة وآفاق جديدة
بحث الجانبان خلال الاجتماع مستجدات تنفيذ المشروعات الجارية بين الوزارة وشركة "مصدر"، والتي تشمل إنشاء محطات للطاقة الشمسية ومزارع رياح ومشروعات تجريبية لتخزين الكهرباء عبر البطاريات، فضلًا عن متابعة الجداول الزمنية للانتهاء من الأعمال وربطها بالشبكة القومية الموحدة.
وأكد الوزير أن مصر تسعى من خلال هذه المشروعات إلى تحسين جودة التغذية الكهربائية وضمان استمرارية التيار، مع تعزيز كفاءة منظومة التوليد بما ينعكس على خفض استهلاك الوقود، وبالتالي تقليل الانبعاثات الكربونية. وأوضح أن هذه الأهداف ليست مجرد خطط طموحة، بل خطوات ملموسة تتماشى مع رؤية الدولة للتنمية المستدامة 2030، والالتزامات البيئية التي تعهدت بها مصر في المحافل الدولية.
أولوية للاستثمار في الطاقة المتجددة
الدكتور عصمت شدد على أن القطاع الخاص يعد شريكًا رئيسيًا في رحلة التحول الطاقي، مشيرًا إلى أن الوزارة تعمل على إزالة كافة العقبات أمام المستثمرين المحليين والأجانب، وتوفير بيئة جاذبة للاستثمار في مجال الطاقات الجديدة والمتجددة. وأكد أن الوزارة تستهدف رفع نسبة مساهمة الطاقة المتجددة في مزيج الطاقة إلى 42% بحلول عام 2030، وصولًا إلى 65% بحلول عام 2040.
وأضاف أن التوسع في مشروعات الطاقة المتجددة لن يقتصر على توليد الكهرباء فقط، وإنما سيمتد إلى تطبيق أنظمة التخزين الحديثة سواء كانت متصلة بالشبكة أو مستقلة عنها، بما يعزز من استقرار الشبكة ويضمن تغطية الطلب المتزايد في مختلف القطاعات الاقتصادية والصناعية والسكنية.
إشادة بدور "مصدر"
من جانبه، أعرب المهندس محمد جميل الرمحي عن سعادته بالتعاون المستمر مع وزارة الكهرباء المصرية، مشيدًا بجهود الدولة في فتح المجال أمام الشركات العالمية للمشاركة في مشروعات كبرى تسهم في دعم الاقتصاد الوطني. وأوضح أن "مصدر" تعمل بخطوات سريعة لتنفيذ التزاماتها وفق الجداول الزمنية المتفق عليها، مؤكداً التزام الشركة بأن تكون مصر إحدى الوجهات الرئيسية لاستثماراتها في المنطقة.
وأشار الرمحي إلى أن "مصدر" ترى في السوق المصري بيئة مثالية للاستثمار في الطاقة المتجددة، خاصة مع الإمكانات الطبيعية الكبيرة من سطوع شمسي ورياح قوية، إلى جانب وجود بنية تحتية مؤهلة، وخطط حكومية واضحة للتوسع في الطاقة النظيفة.
رؤية استراتيجية
الوزير أوضح خلال الاجتماع أن الاستراتيجية الوطنية للطاقة تعتمد على مزيج متوازن بين مصادر مختلفة، بحيث يتم الاعتماد على الطاقة الشمسية وطاقة الرياح بشكل أساسي، إلى جانب الاستفادة من الغاز الطبيعي كمصدر انتقالي خلال الفترة المقبلة. وأضاف أن الوزارة لا تسعى فقط لإنتاج الكهرباء، بل تهدف إلى بناء صناعة متكاملة للطاقة المتجددة تشمل التصنيع المحلي للمكونات وتوطين التكنولوجيا، بما يفتح المجال أمام فرص عمل جديدة ويعزز من تنافسية الاقتصاد المصري.
دعم المواطن والاقتصاد
وأكد عصمت أن مشروعات الطاقة المتجددة لا تمثل فقط خيارًا بيئيًا، بل هي أيضًا أداة اقتصادية مباشرة لتحسين معيشة المواطنين، من خلال خفض تكلفة إنتاج الكهرباء على المدى الطويل، وضمان استقرار الخدمة، وتوفير استثمارات ضخمة تخلق فرص عمل للشباب. وأوضح أن مصر تعمل بخطة متدرجة لتحقيق أمن الطاقة، وفي الوقت نفسه الإيفاء بتعهداتها الدولية بخفض الانبعاثات في مواجهة التغيرات المناخية.
تعاون إقليمي وعالمي
الاجتماع مع وفد "مصدر" جاء في سياق سلسلة لقاءات تجريها وزارة الكهرباء مع عدد من الشركات العالمية والإقليمية، لبحث أوجه التعاون وتبادل الخبرات في مجالات الطاقة النظيفة. ويعكس هذا التوجه إيمان الدولة المصرية بأن التحديات المناخية لا يمكن مواجهتها بجهود فردية، وإنما عبر شراكات إقليمية ودولية واسعة.
كما أشار الوزير إلى أن مصر أصبحت اليوم مركزًا إقليميًا للطاقة بفضل مشروعاتها في الربط الكهربائي مع عدد من الدول العربية والأفريقية والأوروبية، وهو ما يعزز من مكانتها كدولة محورية في مجال تصدير الكهرباء النظيفة مستقبلًا.
رسالة ختامية
في ختام الاجتماع، جدد وزير الكهرباء تأكيده على أن العلاقة مع "مصدر" ليست مجرد تعاون في مشروعات محدودة، بل هي شراكة استراتيجية تمتد لسنوات مقبلة، وتسهم في تحقيق هدف وطني أكبر، وهو الوصول إلى مزيج طاقة متوازن يحقق التنمية المستدامة لمصر ويضعها في مقدمة الدول العربية والأفريقية في مجال الطاقة المتجددة.
بهذا، تعكس الاجتماعات الأخيرة ما تسعى إليه الدولة من بناء نموذج تنموي حديث، يضع المواطن في قلب المعادلة، ويوازن بين متطلبات النمو الاقتصادي وحماية البيئة، عبر تبني نهج واقعي للتحول الطاقي، قائم على الشراكة والانفتاح على التجارب الناجحة عالميًا.

