في خطوة تعكس اهتمام الدولة بتعظيم الاستفادة من الموارد غير المستغلة، عقدت الدكتورة منال عوض، وزيرة التنمية المحلية والقائم بأعمال وزير البيئة، اجتماعًا موسعًا مع محمد الحناوي، المدير التنفيذي لإحدى كبرى المؤسسات العقارية في مصر والشرق الأوسط، لمناقشة آليات الاستفادة من المخلفات اليومية الناتجة عن المدن والتجمعات السكنية الحديثة التابعة للمؤسسة، وذلك بمقر وزارة البيئة بالعاصمة الإدارية الجديدة.
حضر اللقاء الدكتور علي أبو سنة الرئيس التنفيذي لجهاز شؤون البيئة، والأستاذة ياسمين سالم مساعد الوزيرة للتنسيقات الحكومية، والمهندسة نسرين الباز رئيس قطاع الإدارة البيئية، والمهندسة دعاء بربري رئيس الإدارة المركزية للدعم الفني.
استثمار المخلفات كقيمة مضافة
أكدت الدكتورة منال عوض أن الوزارة تضع قضية تدوير المخلفات ضمن أولوياتها، ليس فقط من منظور بيئي، ولكن أيضًا من منظور اقتصادي واستثماري. وأشارت إلى أن الدولة أنفقت مليارات الجنيهات خلال السنوات الماضية لتأسيس بنية تحتية جديدة لإدارة المخلفات، وهو ما يستلزم فتح الباب أمام القطاع الخاص ليكون شريكًا فاعلًا في تشغيل وإدارة هذه المشروعات.
وأضافت الوزيرة أن تشجيع الاستثمار في مصانع التدوير يمثل فرصة واعدة لخلق قيمة مضافة من المخلفات، وتحويلها إلى منتجات قابلة للاستخدام سواء في مجال الطاقة أو الزراعة أو مواد البناء. وأكدت أن الوزارة حريصة على تهيئة المناخ المناسب أمام المستثمرين من خلال تيسير الإجراءات وتوفير الأراضي اللازمة وضمان الشفافية في التعاقدات.
مدينة متكاملة لإدارة المخلفات
وتطرقت الوزيرة إلى تجربة الدولة في إنشاء مدينة متكاملة لإدارة المخلفات بالعاشر من رمضان، موضحة أن هذه المدينة تضم مناطق مخصصة للفرز والتدوير والمعالجة، ويمكن الاستفادة منها في استيعاب كميات المخلفات الناتجة عن المدن الجديدة والكمبوندات. كما أشارت إلى أن الوزارة تعمل على التوسع في مشروعات إنتاج البيوجاز والسماد العضوي، بما يتماشى مع توجه الدولة نحو استخدام أسمدة طبيعية صديقة للبيئة تعزز من تنافسية الصادرات الزراعية المصرية عالميًا.
رؤية القطاع الخاص
من جانبه، عرض محمد الحناوي رؤية المؤسسة العقارية في التعامل مع المخلفات الناتجة عن التجمعات السكنية، مؤكدًا أن المؤسسة تدرس إنشاء مصنع ضخم لتدوير المخلفات بتكلفة استثمارية تصل إلى 650 مليون جنيه. وأوضح أن المصنع سيعتمد على معدات مصرية الصنع، بما يدعم الصناعة الوطنية ويوفر فرص عمل مباشرة وغير مباشرة للشباب.
وأشار الحناوي إلى أن المخلفات التي سيتم تدويرها تشمل مخلفات المنازل والحدائق إلى جانب المخلفات الناتجة عن محطات المعالجة، مؤكدًا أن الهدف الأساسي هو إنتاج سماد عضوي عالي الجودة يمكن استخدامه في الحدائق والمسطحات الخضراء داخل المدن التي تديرها المؤسسة، بما يخلق دورة مكتملة بين الاستهلاك وإعادة التدوير والاستخدام.
فرص اقتصادية وبيئية
وأوضحت الوزيرة أن مثل هذه المشروعات لا تقتصر فوائدها على الجانب البيئي فقط، وإنما تسهم أيضًا في دعم الاقتصاد الوطني من خلال تقليل فاتورة الاستيراد وخلق صناعات جديدة مرتبطة بإعادة التدوير. كما أنها تتماشى مع التوجهات العالمية نحو الاقتصاد الأخضر وخفض الانبعاثات الكربونية، وهو ما يعزز من مكانة مصر على الخريطة الدولية في ملف البيئة.
وأكدت أن الدولة مستعدة لتقديم كافة أوجه الدعم للمستثمرين الجادين في هذا القطاع، سواء عبر التيسيرات التمويلية أو من خلال تسهيل تخصيص الأراضي في مواقع استراتيجية قريبة من المدن الجديدة.
شراكات مستقبلية
شهد الاجتماع نقاشًا مفتوحًا حول إمكانية التوسع في التعاون بين الجانبين ليشمل مشروعات أخرى، مثل إنتاج الطاقة من المخلفات أو إنشاء وحدات لمعالجة المخلفات الإلكترونية والبلاستيكية. كما تم الاتفاق على تشكيل لجنة فنية مشتركة لدراسة الجدوى التفصيلية للمشروع المقترح، ووضع آلية زمنية محددة للتنفيذ، على أن يتم رفع التوصيات النهائية خلال الفترة المقبلة.
دعم الابتكار
وفي ختام اللقاء، شددت الوزيرة على أن وزارة التنمية المحلية ووزارة البيئة تضعان الابتكار في صدارة أولوياتهما عند التعامل مع ملف المخلفات، مؤكدة أن هناك فرصًا كبيرة أمام رواد الأعمال والشركات الناشئة لتقديم حلول مبتكرة في مجالات الجمع الذكي والفرز التلقائي وإنتاج الطاقة النظيفة.
كما دعت إلى ضرورة توعية المواطنين داخل التجمعات السكنية الجديدة بأهمية المشاركة في منظومة فصل المخلفات من المنبع، باعتبارها الخطوة الأولى والأساسية لإنجاح أي مشروع تدوير.
استثمار المستقبل
يعكس هذا اللقاء توجه الدولة نحو إشراك القطاع الخاص بفاعلية في المنظومة الجديدة للمخلفات، وتحويلها إلى قطاع استثماري واعد يحقق عوائد اقتصادية ويوفر فرص عمل ويحافظ على البيئة في الوقت ذاته. ومن المتوقع أن يشهد العامان المقبلان طفرة في حجم الاستثمارات الموجهة لهذا القطاع، خاصة مع تزايد أعداد المدن الجديدة وارتفاع حجم المخلفات الناتجة عنها.
وبهذا تواصل الحكومة خطواتها نحو تحقيق التنمية المستدامة، من خلال ربط ملف البيئة بالاقتصاد والاستثمار، وهو ما يجعل من المخلفات موردًا حيويًا يمكن أن يسهم في دعم الاقتصاد الأخضر وتحسين جودة الحياة للمواطنين.
