في خطوة جديدة تعكس مكانة مصر المتنامية كمركز إقليمي لصناعة المنسوجات والملابس، شهدت الهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس توقيع عقد إنشاء مصنع جديد لشركة "نيل أورميه-Nil Örme" التركية، باستثمارات تصل إلى 35 مليون دولار، في منطقة القنطرة غرب الصناعية.
وجرت مراسم التوقيع صباح اليوم بمقر الهيئة بالعاصمة الإدارية الجديدة، بحضور المهندس وليد جمال الدين، رئيس الهيئة، والسيد والي فاتح أوزيرسوي، رئيس الشركة التركية، وعدد من قيادات الهيئة وممثلي الشركة، ليضاف المشروع إلى سلسلة المشروعات الصناعية التي تشهدها المنطقة خلال السنوات الأخيرة.
المصنع الجديد يقام على مساحة تقترب من 33 ألف متر مربع، ومن المقرر أن يوفر نحو 2000 فرصة عمل مباشرة، إضافة إلى فرص عمل غير مباشرة في سلاسل الإمداد والخدمات اللوجستية. ويستهدف المشروع توجيه 90% من إنتاجه للأسواق الخارجية، مستفيدًا من شبكة الاتفاقيات التجارية الدولية التي تربط مصر بمختلف دول العالم.
ويأتي هذا الاستثمار التركي ليؤكد أن المنطقة الاقتصادية لقناة السويس باتت وجهة مفضلة للمستثمرين الأجانب، خاصة في قطاعات الصناعات التصديرية ذات القيمة المضافة، مثل الغزل والنسيج.
منطقة القنطرة غرب الصناعية لم تعد مجرد تجمع صناعي محلي، بل أصبحت مركزًا إقليميًا متكاملًا لصناعة المنسوجات والملابس الجاهزة. فبحسب تصريحات وليد جمال الدين، بلغ عدد المشروعات التي تم توقيع عقودها بالمنطقة حتى الآن 34 مشروعًا باستثمارات إجمالية وصلت إلى نحو 859.3 مليون دولار، على مساحة تتجاوز 2.1 مليون متر مربع، توفّر أكثر من 48 ألف فرصة عمل مباشرة.
وأكد رئيس الهيئة أن هذه المشروعات تستهدف في مجملها التصدير للأسواق العالمية، مستفيدة من الموقع الجغرافي الفريد للمنطقة الاقتصادية الذي يجعلها حلقة وصل بين آسيا وأفريقيا وأوروبا، إلى جانب تكاملها مع الموانئ التابعة للهيئة، مما يعزز قدرتها التنافسية في السوق الدولي.
وأوضح جمال الدين أن ما يجذب المستثمرين ليس فقط الموقع الجغرافي أو البنية التحتية المتطورة، بل أيضًا توافر العمالة الفنية المدربة، وتنوع مصادر الطاقة بتكلفة تنافسية، وهو ما يجعل المنطقة وجهة مفضلة لكبرى الشركات العالمية. كما أشار إلى أن الهيئة تستهدف في استراتيجيتها توطين الصناعات التصديرية وربطها بسلاسل القيمة العالمية، بحيث تبدأ من المواد الخام وتنتهي بمنتجات نهائية جاهزة للتصدير.
وأضاف أن الفترة المقبلة ستشهد افتتاح عدد من المشروعات الجديدة سواء في قطاع الملابس الجاهزة أو في مشروعات البنية التحتية والمرافق داخل منطقة القنطرة غرب، بما يرسخ مكانتها كمركز إقليمي للغزل والنسيج.
وفي خطوة تعكس جدية الهيئة في جذب المزيد من الاستثمارات، أعلن رئيس المنطقة الاقتصادية لقناة السويس عن تنظيم أول جولة ترويجية في تركيا نهاية سبتمبر المقبل، تستهدف لقاء كبار المستثمرين وعرض فرص الاستثمار في القطاعات ذات الأولوية. وأكد أن الهيئة حريصة على التواصل المباشر مع مجتمع الأعمال التركي الذي أبدى اهتمامًا واضحًا بالتوسع في السوق المصري.
المشروع الجديد يتماشى مع أهداف الدولة المصرية في تعميق الصناعة المحلية وزيادة الصادرات، بما يحقق رؤية "مصر 2030" للتنمية الاقتصادية المستدامة. فوجود استثمارات أجنبية بهذا الحجم في قطاع حيوي مثل الغزل والنسيج، يعكس ثقة المستثمرين في السوق المصري، ويدعم خطط الدولة للتحول إلى مركز صناعي وتصديري في المنطقة.
ويرى خبراء الاقتصاد أن توقيع هذا العقد لا يمثل مجرد إضافة رقمية لحجم الاستثمارات، بل يعكس نموذجًا ناجحًا للشراكة بين الدولة والقطاع الخاص العالمي، ويعزز من فرص مصر في المنافسة على خريطة سلاسل الإمداد الدولية، خاصة مع تزايد توجه العلامات التجارية الكبرى للبحث عن مراكز إنتاج جديدة أكثر استقرارًا وتكلفة أقل.
لا شك أن مشروع "نيل أورميه" سيُحدث نقلة نوعية في صناعة المنسوجات داخل المنطقة الاقتصادية، خاصة مع خبرة الشركة التركية التي تمتد لعقود في هذا المجال. ومع اكتمال تشغيل المصنع وتوفير آلاف فرص العمل، فإن القنطرة غرب ستكون على موعد مع مرحلة جديدة من النمو الصناعي، تتكامل مع غيرها من المشروعات القائمة، لتتحول تدريجيًا إلى "مدينة للنسيج" تنافس كبرى المراكز العالمية.
إن ما يجري في القنطرة غرب اليوم ليس مجرد توسع استثماري، بل هو بناء لقصة نجاح اقتصادية مصرية جديدة، قوامها الشراكة الدولية، والرؤية الوطنية، واستثمار الموقع الجغرافي الفريد لقناة السويس كجسر للتجارة العالمية.

