شهدت القاهرة خلال الأيام الماضية انعقاد الدورة الخامسة للجنة الفنية الزراعية المصرية اللبنانية المشتركة، في أجواء وُصفت بالإيجابية والبنّاءة، حيث ترأس الاجتماعات كل من علاء فاروق، وزير الزراعة واستصلاح الأراضي في مصر، والدكتور نزار هاني، وزير الزراعة في لبنان، بمشاركة كبار المسؤولين والخبراء من الوزارتين.
وأكد الجانبان أن هذه الدورة تمثل محطة جديدة في مسار التعاون الزراعي بين البلدين، خاصة مع التحديات المشتركة التي يواجهها القطاع الزراعي في المنطقة، وعلى رأسها تأثيرات التغيرات المناخية، وأزمة الأمن الغذائي العالمي. وقد شدد الوزيران على أن تعزيز التعاون الثنائي أصبح ضرورة استراتيجية أكثر من كونه خيارًا، نظرًا للتكامل الكبير في الإمكانيات والاحتياجات بين القاهرة وبيروت.
تعزيز التبادل التجاري وتذليل العقبات
من أبرز القضايا التي نوقشت خلال الاجتماعات، أهمية إزالة أي معوقات تحول دون انسياب السلع الزراعية بين البلدين. واتفق الطرفان على الإسراع في تبادل القرارات والمستندات المتعلقة بحركة التجارة الزراعية، بما يضمن وصول المنتجات إلى الأسواق دون تأخير. وأكد الجانب اللبناني على أن مصر تظل الوجهة الأولى في استيراد محصول البطاطس، باعتبارها من أهم السلع التي يعتمد عليها السوق اللبناني.
كما شهدت المباحثات توافقًا على دعم برامج التدريب والزيارات المتبادلة، بهدف تبادل الخبرات العملية والفنية بين الكوادر الزراعية في البلدين. ويُتوقع أن يسهم هذا التوجه في رفع كفاءة العاملين بالقطاع الزراعي، ومواكبة أحدث الأساليب في الإنتاج والإدارة الزراعية.
اتفاقيات بحثية وشراكات علمية
واحدة من النتائج المهمة لاجتماعات اللجنة الفنية كانت الاتفاق على التوقيع على مذكرة تفاهم في مجال الأبحاث الزراعية، خلال اجتماعات اللجنة العليا المصرية اللبنانية المقبلة برئاسة رئيسي وزراء البلدين. وتشمل هذه المذكرة التعاون في عدة مجالات متقدمة، مثل: دراسة متبقيات المبيدات، استنباط أصناف نباتية أكثر قدرة على تحمل الجفاف والملوحة والحرارة، بالإضافة إلى تطوير التعاون في الاستزراع السمكي وإنتاج الأعلاف السمكية.
كما اتفق الطرفان على توسيع التعاون في مجال البيطرة، من خلال تصدير الأمصال واللقاحات البيطرية المصرية إلى لبنان، وتبادل اعتماد الشهادات الصحية البيطرية، بما يسهل حركة المنتجات الحيوانية بين الجانبين. ومن المنتظر أن تساهم هذه الخطوات في زيادة الصادرات المصرية من الأسماك والمنتجات ذات الأصل الحيواني إلى السوق اللبناني.
الأمن الغذائي والتغير المناخي
في كلمته خلال ختام الاجتماعات، أكد الوزير المصري علاء فاروق أن هذه الدورة جسدت عمق العلاقات التاريخية بين مصر ولبنان، مشددًا على أن البلدين يتقاسمان نفس التحديات في ما يتعلق بضمان الأمن الغذائي ومواجهة التغيرات المناخية. وأضاف أن ما تم التوصل إليه من تفاهمات عملية سيؤدي إلى انسيابية أكبر في التبادل التجاري الزراعي، ويفتح مجالات جديدة للتعاون البحثي والفني.
ولفت فاروق إلى أن مصر مستعدة لتقديم خبراتها في مجالات الإنتاج النباتي والحيواني والسمكي، إضافة إلى تقنيات الإرشاد الزراعي الرقمي، معتبرًا أن مثل هذه الشراكات لا تخدم فقط المصالح الوطنية، بل تسهم في تعزيز الأمن الغذائي العربي ككل.
زيارات متبادلة وتعاون مستقبلي
وعلى صعيد آخر، دعا وزير الزراعة المصري نظيره اللبناني والوفد المرافق له إلى القيام بزيارات ميدانية لعدد من المشروعات الزراعية والإنتاجية والبحثية في مصر، بما في ذلك معامل مركز البحوث الزراعية، بهدف الاطلاع عن قرب على التجارب المصرية الناجحة. ومن جانبه، أبدى الوزير اللبناني تقديره الكبير لحفاوة الاستقبال في القاهرة، واصفًا الاجتماعات بأنها مثمرة ومرحلية نحو تعاون أكثر عمقًا.
كما أعلن الوزير اللبناني عن دعوة نظيره المصري للمشاركة في مؤتمر الاستثمار الزراعي المقرر عقده في بيروت في يناير 2026، باعتباره منصة إضافية لبحث الفرص الاستثمارية المشتركة بين رجال الأعمال في البلدين.
الدورة المقبلة في بيروت
واتفق الطرفان في ختام الاجتماعات على أن تُعقد الدورة السادسة للجنة الفنية المشتركة في العاصمة اللبنانية بيروت خلال أغسطس 2026. ومن المقرر أن يبدأ الوزير اللبناني والوفد المرافق له برنامجًا من الزيارات الميدانية لعدد من المشروعات البحثية والإنتاجية في مصر، استجابة لدعوة نظيره المصري، بهدف تبادل الخبرات وتعزيز التعاون العملي على أرض الواقع.
بهذا، تكون اللجنة الفنية المصرية اللبنانية قد وضعت أسسًا متينة لمرحلة جديدة من التعاون الزراعي، تستهدف ليس فقط تبادل السلع والخبرات، بل بناء شراكة بحثية وتنموية طويلة الأمد، بما يخدم مصلحة الشعبين ويعزز التكامل الزراعي بين البلدين.

