شهد المسرح الكبير بدار الأوبرا المصرية، مساء الأحد، انطلاق فعاليات الدورة الثانية والثلاثين من مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي، بحضور وزير الثقافة الدكتور أحمد فؤاد هَنو، ورئيس المهرجان الدكتور سامح مهران، إلى جانب نخبة واسعة من المسرحيين والنقاد والفنانين من مصر والعالم. ويستمر المهرجان حتى الثامن من سبتمبر الجاري، وسط مشاركة عربية وأجنبية لافتة.
وأكد وزير الثقافة، في كلمته خلال حفل الافتتاح، أن هذا المهرجان يعكس إيمان الدولة المصرية العميق بقيمة الفنون، وبأن المسرح على وجه الخصوص يظل أحد أقوى الوسائل في تقريب الشعوب وفتح مساحات أوسع للتفكير والإبداع. وأشار إلى أن كل عرض يُقدَّم على خشبات المهرجان هو حوار حي، يثري المدارك ويدفع إلى إعادة النظر في قضايا الإنسان والمجتمع.
وفي خطوة جديدة، أعلن الوزير عن تفعيل مركز التدريب الدولي، الذي سيتحول إلى منصة دائمة لتأهيل المبدعين الشباب، والاستفادة من الخبرات العالمية، موضحًا أن المركز سيعمل طوال العام ليكون امتدادًا عمليًا لأهداف المهرجان. كما طرح مقترحًا على المسرحيين يتمثل في تحويل المهرجان إلى “مهرجان القاهرة الدولي للمسرح”، بحيث يضم كافة ألوان وفروع الفن المسرحي، مع الحفاظ على العروض التجريبية كجزء أصيل في برامجه.
وقال الوزير إن خصوصية هذه الدورة تنبع من كونها تعيد التذكير بجذور التجريب في الثقافة المصرية، منذ أن حول الفنانون الأوائل جدران المعابد والساحات إلى فضاءات للأداء البصري والدرامي. وأضاف أن هذا الشغف بالتجريب ما زال حاضرًا في كل جيل، واليوم يحمله الشباب المصري ليقدموا رؤى معاصرة تستند إلى الهوية وتنفتح على العالم في الوقت ذاته.
كما أوضح أن عودة المهرجان إلى الأقاليم المصرية هذا العام هي رسالة واضحة بأن العدالة الثقافية أحد أهم أهداف وزارة الثقافة، وأن الفنون يجب أن تصل إلى كل مواطن في مختلف المحافظات.
من جانبه، أشار الدكتور سامح مهران، رئيس المهرجان، إلى أن الفعل المسرحي هو فعل متجدد لا يعرف الثبات، بل يسعى دائمًا إلى البحث عن أشكال جديدة للتعبير. ولفت إلى أن قوة المسرح تكمن في كونه مساحة للتلاقي بين الوعي واللاوعي، حيث يعيش المتلقي تجربة إنسانية عميقة تتجاوز حدود العرض إلى الحياة اليومية.
الحفل الذي قدمته الإعلامية جاسمين طه زكي بدأ بالسلام الوطني، تلاه عرض بصري احتفالي برؤية إخراجية للفنان وليد عوني، مستلهم من أعمال المخرج العالمي الراحل روبرت ويلسون، أحد أبرز رموز المسرح التجريبي في القرن العشرين. كما عُرض فيلم قصير تناول أهم ملامح الدورة الحالية.
وشهدت الفعالية أيضًا تكريم 11 شخصية مسرحية بارزة من مصر والعالم، تقديرًا لعطائهم وإسهاماتهم في إثراء الحركة المسرحية. من مصر كُرِّم كل من الفنان صبري فواز، الفنانة حنان يوسف، الكاتب بهيج إسماعيل، والدكتور حسن خليل. ومن العالم العربي شمل التكريم الفنان محمد المنصور (الكويت)، الفنان رفيق علي أحمد (لبنان)، الكاتب والمنتج حمد الرميحي (قطر)، والفنان الراحل إقبال نعيم (العراق). أما من الأجانب، فقد حصل على التكريم المخرج تاكو فيكتور (الكاميرون)، الناقد باتريك بافيز (فرنسا)، والفنان نوريس روفس (إنجلترا).
وفي مشهد لافت، عُرض عمل بعنوان “انتصار حورس” من إعداد الدكتور محمد سمير الخطيب وإخراج وليد عوني، حيث جسد العرض رمزية الصراع بين قوى النور والظلام، مستلهمًا الأساطير المصرية القديمة عبر لوحات بصرية وحركية تحمل بصمة معاصرة.
ويضم برنامج هذه الدورة 13 عرضًا عربيًا و7 عروض أجنبية، إلى جانب ورش تدريبية وندوات فكرية وإصدارات بحثية تتناول قضايا المسرح. أما العروض المصرية المشاركة فتشمل “هل تراني الآن”، “الجريمة والعقاب”، و*“رماد من زمن الفتونة”، إضافة إلى عروض أخرى عربية مثل “قهوة ساخنة” (البحرين) و“عطيل وبعد”* (تونس) و*“الفانوس”* (الإمارات) و*“سيرك”* (العراق).
وتُقام العروض على أحد عشر مسرحًا في القاهرة، من بينها مسرح الطليعة، مسرح الغد، مسرح الجمهورية، مسرح الهناجر، ومسرح نهاد صليحة، ما يمنح الجمهور فرصة واسعة لمتابعة العروض على مدار أسبوع كامل.
الجدير بالذكر أن مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي، الذي انطلق لأول مرة عام 1988، يُعد من أعرق المهرجانات المسرحية العربية، وقد أسهم على مدار تاريخه في ترسيخ مكانة مصر كمنصة عالمية للفنون المسرحية، فضلًا عن كونه مساحة للتفاعل وتبادل التجارب بين مسرحيين من مختلف القارات.

