سجلت مصر إنجازًا طبيًا عالميًا جديدًا بعد إعلان اعتماد تقنية مبتكرة في مجال مناظير الجهاز الهضمي المتقدمة، تحمل اسم "تقنية مدكور – Madkour Technique"، والتي طورها الأستاذ الدكتور أحمد مدكور، رئيس قسم مناظير الجهاز الهضمي والقنوات المرارية بفرع هيئة الرعاية الصحية بمحافظة بورسعيد.
ويُعد هذا الاعتماد، الصادر عن الجمعية الأوروبية للمناظير ونشر تفاصيل التقنية في مجلتها العلمية المرموقة (Endoscopy)، بمثابة اعتراف دولي غير مسبوق بقدرة العقول المصرية على الإسهام في تطوير المعرفة الطبية عالميًا، خاصة أن هذه المجلة تعتبر من أكثر الدوريات تأثيرًا في مجال المناظير على مستوى العالم.
التقنية الجديدة جاءت لتفتح آفاقًا علاجية مختلفة لمرضى الأكالازيا المستعصية، وهو أحد اضطرابات المريء النادرة التي كانت تستلزم في كثير من الحالات جراحات معقدة مثل استئصال المريء، وهو إجراء محفوف بالمخاطر. إلا أن "تقنية مدكور" تقدم حلًا علاجيًا بالمنظار ضمن ما يعرف بمناظير "الفراغ الثالث"، مع نسب نجاح وصلت إلى 100% في أول تجربتين أجريتا، إحداهما بمجمع الشفاء الطبي ببورسعيد، التابع لهيئة الرعاية الصحية، والأخرى بجامعة حلوان.
وأكدت الهيئة العامة للرعاية الصحية أن هذا الإنجاز يترجم استراتيجيتها في الاستثمار بالكوادر الوطنية وتمكين الأطباء المصريين من العمل بأحدث التقنيات عالميًا. وأضافت أن اعتماد تقنية تحمل اسم طبيب مصري يمثل علامة فارقة ودليلًا على أن مصر قادرة ليس فقط على اللحاق بركب التطورات الطبية، بل أيضًا على تقديم حلول مبتكرة يعتمدها العالم.
وفي تعليق على هذا التطور، أعرب الدكتور أحمد السبكي، رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للرعاية الصحية، عن اعتزازه بما تحقق، مؤكدًا أن "اعتماد تقنية مدكور عالميًا هو إنجاز نفخر به جميعًا، ويجسد أن الاستثمار في العقول الطبية هو الطريق الأقصر لتمكين مصر من المنافسة الدولية". وأضاف أن الهيئة مستمرة في توفير بيئة داعمة لكل طبيب أو باحث يحمل فكرة أو ابتكارًا يمكن أن يحدث فارقًا في الرعاية الصحية.
وأشار السبكي إلى أن مجمع الشفاء الطبي ببورسعيد كان سبّاقًا في إدخال خدمات مناظير "الفراغ الثالث" منذ عام 2021، ما مكّن من علاج حالات أورام سطحية وأمراض معقدة باستخدام المناظير بدلًا من التدخلات الجراحية الكبرى، وهو ما انعكس إيجابًا على المرضى من حيث نسب الشفاء وتقليل فترات التعافي والمضاعفات.
بدوره، أكد الدكتور أحمد مدكور، مبتكر التقنية، أن نشرها في المجلة الأوروبية للمناظير يعد لحظة فارقة في مسيرته المهنية، وأن الهدف من هذا الابتكار هو توفير خيارات علاجية أكثر أمانًا وفعالية للمرضى الذين يعانون من الأكالازيا المستعصية. ولفت إلى أن التجارب الأولى أثبتت نجاحًا كاملًا، ما شجع المجتمع العلمي الدولي على اعتمادها رسميًا.
ويُنتظر أن يسهم هذا الإنجاز في تعزيز مكانة مصر إقليميًا ودوليًا في مجال المناظير العلاجية، خصوصًا مع تزايد الاهتمام العالمي بالتقنيات الأقل تدخلًا جراحيًا. كما يتوقع أن يشجع مؤسسات طبية وبحثية أخرى في مصر على المضي قدمًا في تطوير ابتكارات جديدة قابلة للتطبيق عالميًا.
ويؤكد خبراء أن هذا الاعتماد الدولي لا يقتصر أثره على المجال الطبي فقط، بل يرسخ صورة مصر كدولة قادرة على إنتاج المعرفة الطبية وتصديرها، خاصة مع تبني الدولة استراتيجية واضحة للاستثمار في الكفاءات البشرية وتوطين أحدث التقنيات العلاجية.
ويأتي الإنجاز في وقت تعمل فيه هيئة الرعاية الصحية على التوسع في تطبيق حزم التأمين الصحي الشامل، وإدخال خدمات علاجية متقدمة ضمن باقاتها، بما يضمن وصول هذه الابتكارات إلى أكبر شريحة ممكنة من المواطنين، وهو ما يعزز الحق في الصحة ويرفع جودة الخدمات الصحية المقدمة.
وبذلك، يضاف "الابتكار المصري – تقنية مدكور" إلى سلسلة النجاحات التي تعكس التحول الذي يشهده القطاع الصحي في مصر، حيث تتلاقى جهود البحث العلمي مع الاستراتيجية الوطنية لتوطين التكنولوجيا الطبية، من أجل خدمة المرضى وتقديم حلول علاجية تضاهي أحدث ما وصل إليه الطب العالمي.

