في خطوة تعكس التزام الدولة المصرية بدمج مفاهيم الاستدامة البيئية في أهم مشروعاتها القومية، عقدت الدكتورة منال عوض، وزيرة التنمية المحلية والقائم بأعمال وزير البيئة، اجتماعاً موسعاً مع الدكتور أحمد غنيم، الرئيس التنفيذي لهيئة المتحف المصري الكبير، لبحث مختلف الجوانب البيئية المرتبطة بالمتحف قبل افتتاحه الرسمي المرتقب.
الاجتماع، الذي انعقد بمقر وزارة البيئة في العاصمة الإدارية الجديدة، جاء بحضور قيادات من الجانبين، بينهم الدكتور علي أبو سنة، الرئيس التنفيذي لجهاز شئون البيئة، وعدد من مساعدي الوزيرة ومسؤولي إدارات التغيرات المناخية، إضافة إلى ممثلين عن إدارة المتحف. وقد ركز النقاش على تقييم الانبعاثات الكربونية الناتجة عن مراحل التشغيل التجريبي للمتحف خلال عامي 2023 و2024، والإجراءات المستقبلية للحد منها بما يتماشى مع المعايير الدولية.
وخلال اللقاء، أوضحت الوزيرة منال عوض أن المتحف المصري الكبير لا يُعد فقط صرحاً ثقافياً وحضارياً يعكس تاريخ مصر الممتد، بل يمثل أيضاً نموذجاً للتكامل بين التنمية الثقافية وحماية البيئة. وأشارت إلى أن حصول المتحف على تقرير معتمد دولياً لقياس انبعاثاته الكربونية خلال التشغيل التجريبي يمثل خطوة نوعية، ويؤكد حرص مصر على أن يكون هذا المشروع العالمي متوافقاً مع أهداف التنمية المستدامة ورؤية مصر 2030.
كما لفتت الوزيرة إلى أن إجمالي الانبعاثات التي تم رصدها خلال فترة التشغيل التجريبي بلغ نحو 16 ألف طن من ثاني أكسيد الكربون المكافئ، وهي بيانات تمت مراجعتها والتحقق من دقتها من جهات معتمدة بينها المجلس الوطني للاعتماد (EGAC) والهيئة العامة للرقابة على الصادرات والواردات. وأكدت أن هذه الخطوة تعكس الشفافية وتضع أسساً واضحة للانتقال نحو تحقيق الحياد الكربوني للمتحف خلال الفترة المقبلة.
وشددت الوزيرة على أن وزارة البيئة تعمل حالياً على التنسيق مع سكرتارية اتفاقية الأمم المتحدة للتغيرات المناخية، وذلك لوضع المتحف المصري الكبير على خريطة المؤسسات الثقافية العالمية التي تتبنى سياسات بيئية متقدمة. وأكدت أنه يجري الإعداد لخطة مستقبلية تشمل إصدار تقارير دورية حول البصمة الكربونية، سواء لفترة التشغيل الكاملة ابتداء من عام 2025 أو للفعاليات الكبرى، وفي مقدمتها حفل الافتتاح الرسمي المنتظر.
من جانبه، ثمّن الدكتور أحمد غنيم التعاون الوثيق مع وزارة البيئة، مشيراً إلى أن المتحف أصبح أول متحف مصري يحصل على شهادة بكونه "متحفاً صديقاً للبيئة". وأوضح أن هيئة المتحف تضع البعد البيئي ضمن أولوياتها الرئيسية، سواء من خلال الاعتماد على وسائل مواصلات خضراء مثل المترو والسيارات الكهربائية، أو عبر ترشيد استهلاك الموارد، واستخدام الطاقة الشمسية لتوليد الكهرباء.
وأضاف غنيم أن هذا التوجه يعكس رغبة الدولة في تقديم نموذج عالمي يجمع بين الحفاظ على التراث والالتزام بالمعايير البيئية، وهو ما يعزز من مكانة المتحف كأيقونة حضارية وثقافية لا تخص مصر وحدها، بل العالم بأسره.
كما قدمت الدكتورة الشيماء عيد، رئيس جهاز السلامة والصحة المهنية بالمتحف، عرضاً حول الخطوات العملية التي تم اتخاذها لتعزيز معايير السلامة البيئية، بما في ذلك خطط التعامل مع المخلفات، وضمان بيئة عمل آمنة للعاملين والزوار. وأكدت أن التجهيزات الحالية تضع المتحف في موقع ريادي بين المؤسسات الثقافية التي تراعي الأبعاد البيئية في إدارتها.
ويأتي هذا التحرك في وقت تتجه فيه الأنظار العالمية إلى مصر قبيل الافتتاح الرسمي للمتحف المصري الكبير، الذي طال انتظاره. إذ لا يقتصر الاهتمام الدولي على كونه أكبر متحف أثري في العالم يضم آثار الحضارة المصرية القديمة، بل يتعدى ذلك ليصبح نموذجاً لمزج التراث الإنساني مع الممارسات البيئية الحديثة.
الجدير بالذكر أن المتحف المصري الكبير، المقام على مساحة تقارب نصف مليون متر مربع بجوار أهرامات الجيزة، يضم مجموعة هائلة من الآثار المصرية، من بينها مجموعة الملك توت عنخ آمون كاملة لأول مرة، ليصبح بذلك نقطة جذب رئيسية للسياحة الثقافية على المستوى العالمي.
واختتمت الوزيرة الاجتماع بالتأكيد على أن الدولة المصرية ماضية في طريق دمج السياسات البيئية داخل جميع مشروعاتها القومية، مشيرة إلى أن ما يحدث في المتحف المصري الكبير يعكس إرادة سياسية واضحة لجعل البعد البيئي جزءاً لا يتجزأ من عملية التنمية الشاملة.

