في خطوة تعكس التوجه الوطني نحو دعم الزراعة المستدامة والاعتماد على بدائل آمنة وصديقة للبيئة، أعلن مركز البحوث الزراعية التابع لوزارة الزراعة واستصلاح الأراضي، نجاحه في تسجيل مركبين حيويين جديدين لمكافحة الآفات الزراعية، وهو ما يمثل نقلة نوعية في مجال البحث العلمي الزراعي وتوطين صناعة المبيدات الحيوية داخل مصر.
وأكد علاء فاروق، وزير الزراعة واستصلاح الأراضي، أن هذا الإنجاز يأتي تتويجًا لجهود فرق العمل البحثية داخل معاهد مركز البحوث الزراعية، والتي تعمل بشكل متواصل على تطوير بدائل مبتكرة للمبيدات الكيميائية التقليدية. وأوضح الوزير أن المبيدات الحيوية لا تمثل فقط وسيلة أكثر أمانًا لحماية المحاصيل الزراعية، لكنها أيضًا تسهم في تقليل فاتورة الاستيراد وتعزيز تنافسية المنتجات الزراعية المصرية في الأسواق العالمية.
وأشار فاروق إلى أن التوسع في استخدام المبيدات الحيوية يتماشى مع توجه الدولة نحو تعزيز مفهوم "الزراعة النظيفة"، خاصة فيما يتعلق بالمحاصيل التصديرية الاستراتيجية مثل العنب، الموالح، والنخيل، حيث تلعب الجودة وخلو المحاصيل من متبقيات المبيدات الكيميائية دورًا رئيسيًا في قبولها بالأسواق الخارجية.
من جانبه، كشف الدكتور عادل عبدالعظيم، رئيس مركز البحوث الزراعية، عن تفاصيل المركبين الجديدين، موضحًا أن المركب الأول يحمل اسم "بيوميتا 2.5% WP" وهو مستخلص من فطر Metarhizium anisopliae. وأظهرت التجارب فاعليته الكبيرة في مكافحة العنكبوت الأحمر الذي يهدد محصول الخيار داخل الصوب الزراعية، بالإضافة إلى فعاليته في الحد من انتشار آفة "الافيستيا" التي تُعد من أخطر الآفات التي تصيب نخيل البلح.
أما المركب الثاني فهو "بيوسيانا 2.5% WP" المستخلص من فطر Beauveria bassiana، والذي تم اعتماده لمكافحة دودة الحشد الخريفية التي تمثل تهديدًا متزايدًا لمحصول الذرة في العديد من المحافظات. وقد تم إدراج المركبين رسميًا ضمن لجنة مبيدات الآفات الزراعية تحت أرقام تسجيل جديدة، الأمر الذي يفتح الباب أمام استخدامهما بشكل موسع من قبل المزارعين.
ووجه عبدالعظيم الشكر لفريق البحث العلمي بمعهد بحوث وقاية النباتات، مؤكدًا أن هذا الجهد يعكس الدور الريادي للمركز في تطوير الحلول البيولوجية البديلة، بما يتماشى مع المعايير الدولية في الحفاظ على البيئة وتقليل الأثر السلبي للكيماويات على صحة الإنسان والحيوان.
وفي السياق ذاته، أوضح الدكتور أحمد عبدالمجيد، مدير معهد بحوث وقاية النباتات، أن المعهد سيواصل العمل على برامج إنتاج المبيدات الحيوية، مشيرًا إلى أن المعهد يقوم بالفعل بإنتاج وتوزيع مركبات أخرى مثل "بروتكتو 9.4% WP" وهو مبيد يعتمد على بكتيريا Bacillus thuringiensis ويُستخدم ضد مجموعة واسعة من الآفات الزراعية. وأضاف أن هناك مركبات أخرى مسجلة باسم المعهد مثل "بيوكاد 5.5% WP" لمكافحة فراشة درنات البطاطس، وذلك بفضل جهود وحدة البيوتكنولوجيا الجزيئية بالمعهد.
وأشار عبدالمجيد إلى أن تسجيل مركبين جديدين في وقت متقارب يعكس التطور السريع في الأبحاث التطبيقية الزراعية داخل مصر، ويعزز من قدرة المزارعين على الوصول إلى حلول آمنة وفعالة في مكافحة الآفات التي تهدد إنتاجية محاصيلهم. كما شدد على أن المبيدات الحيوية تمثل مستقبل الزراعة في ظل التحديات المناخية والبيئية المتزايدة، وأن مصر تخطو بخطوات ثابتة نحو الاعتماد على هذه التقنيات بما يواكب التوجهات العالمية.
ويأتي هذا الإنجاز في إطار خطة الدولة لتعزيز منظومة الأمن الغذائي، حيث تسعى وزارة الزراعة إلى رفع كفاءة الإنتاج الزراعي وتحسين جودته، مع مراعاة البعد البيئي والصحي. وتعتبر مكافحة الآفات باستخدام وسائل حيوية آمنة أحد أهم محاور هذه الخطة، نظرًا لما توفره من حماية طويلة المدى للمحاصيل، إلى جانب دورها في تقليل حجم المخاطر الصحية الناتجة عن التوسع في استخدام المبيدات الكيميائية.
ويرى خبراء الزراعة أن إدراج "بيوميتا" و"بيوسيانا" ضمن قائمة المبيدات المسجلة رسميًا سيشجع المزارعين على التوسع في استخدام المبيدات الحيوية، خاصة في الزراعات الموجهة للتصدير، الأمر الذي يعزز من سمعة الصادرات الزراعية المصرية. كما توقعوا أن يسهم ذلك في خفض التكاليف على المزارعين على المدى الطويل، بفضل تقليل الاعتماد على المنتجات المستوردة وتوافر بدائل محلية بنفس الكفاءة.
وبهذا تصبح مصر من الدول الرائدة إقليميًا في مجال اعتماد المبيدات الحيوية، وهو ما يمثل خطوة هامة نحو تحقيق الزراعة المستدامة، وتلبية احتياجات المزارعين بوسائل آمنة ومتطورة، تدعم في الوقت نفسه توجهات الدولة نحو اقتصاد أخضر يراعي معايير البيئة والتنمية المستدامة.

