في خطوة تعكس اهتمام الدولة المصرية بتحقيق تنمية متوازنة وشاملة في مختلف الأقاليم، أعلنت وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي عن حجم الاستثمارات الحكومية الموجهة إلى محافظات الصعيد ضمن خطة العام المالي 2025/2026، بالإضافة إلى مخصصات مبادرة «حياة كريمة» التي تستهدف تحسين معيشة ملايين المواطنين في القرى الأكثر احتياجًا.
جاء ذلك تزامنًا مع زيارة الدكتورة رانيا المشاط، وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي، إلى محافظة قنا لتفقد عدد من المشروعات التنموية الجاري تنفيذها بالتعاون مع الأمم المتحدة وشركاء التنمية الدوليين، حيث أكدت أن الحكومة تضع تنمية الصعيد على رأس أولوياتها، تنفيذًا لتوجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسي بضرورة تعظيم الاستفادة من المزايا النسبية التي تتمتع بها محافظات الجنوب.
وبحسب التقرير الذي استعرضته الوزارة، تبلغ قيمة الاستثمارات الحكومية الموجهة إلى أقاليم الصعيد في خطة العام الجديد نحو 65.7 مليار جنيه، موزعة على ثلاثة أقاليم رئيسية؛ حيث يحصل إقليم جنوب الصعيد على النصيب الأكبر بقيمة 31.7 مليار جنيه، يليه إقليم شمال الصعيد بـ21.8 مليار جنيه، ثم إقليم وسط الصعيد بـ12.3 مليار جنيه.
كما أوضح التقرير أن المرحلة الأولى من المبادرة الرئاسية «حياة كريمة» خصصت نحو 237 مليار جنيه لتنمية محافظات الصعيد، بما يمثل 68% من إجمالي المخصصات، ليستفيد منها أكثر من 11 مليون مواطن بنسبة 61% من المستفيدين على مستوى الجمهورية. وتأتي محافظة قنا في المرتبة الثالثة بين محافظات الجمهورية من حيث حجم المخصصات، حيث بلغ نصيبها 39.4 مليار جنيه.
وفيما يتعلق بالتوزيع الداخلي للاستثمارات داخل إقليم جنوب الصعيد، جاءت محافظة المنيا في الصدارة بنسبة 20.5%، تليها أسوان بنسبة 12.8%، ثم البحر الأحمر بنسبة 11.1%، فيما توزعت باقي النسب على محافظات أسيوط وسوهاج وقنا وبقية المحافظات. وعلى مستوى القطاعات، استحوذ قطاع «الخدمات الأخرى» على 29.2% من إجمالي الاستثمارات، يليه قطاع التعليم بنسبة 16.5%، ثم الصحة بنسبة 15.1%، في حين حصل قطاعا الزراعة والري على نسبتي 12.2% و10.3% على الترتيب.
أما بالنسبة للمشروعات المستهدفة، فأوضح التقرير أنها تتنوع بين قطاعات الزراعة والري واستصلاح الأراضي، ومياه الشرب والصرف الصحي، والخدمات التعليمية والصحية، إضافة إلى تطوير البنية التحتية والطرق. ففي مجال الزراعة، تضمنت الخطة استكمال أعمال حماية السد العالي، تقليل الفاقد من المياه في بحيرة ناصر، تبطين الترع، وتجديد شبكات الصرف الزراعي، بجانب استصلاح 400 فدان غرب المراشدة بمحافظة قنا، وتحسين إنتاج التقاوي الحكومية، وتنمية الثروة الحيوانية عبر برامج التحسين الوراثي.
كما تشمل المشروعات إنشاء سدود وبحيرات للحماية من أخطار السيول، وتوسيع محطات الصرف، وتنفيذ أعمال صناعية على الترع لتأمينها، إلى جانب الحماية الحجرية لجوانب نهر النيل، وهو ما يعزز من قدرة المحافظات على مواجهة التغيرات المناخية وتوفير موارد مائية مستدامة للزراعة.
وفي قطاع الخدمات الأساسية، سيتم العمل على إحلال وتجديد محطات مياه الشرب في عدد من المراكز، واستكمال مشروعات الصرف الصحي، بما يسهم في تحسين مستوى المعيشة والحد من التلوث البيئي. كما تتضمن الخطة تطوير عدد من الطرق والمحاور الرئيسية لدعم حركة التجارة والنقل بين محافظات الصعيد، وإنشاء مدارس جديدة للتعليم الأساسي والفني لتلبية الطلب المتزايد على مقاعد الدراسة.
أما في المجال الصحي، فالمشروعات المستهدفة تشمل تطوير وتجهيز مستشفيات عامة ومركزية، وإنشاء مخازن للأدوية ومراكز طبية جديدة، بما يعزز قدرة القطاع الصحي في محافظات الصعيد على تقديم خدمات أفضل وأكثر شمولاً للمواطنين.
وأكدت وزيرة التخطيط أن الدولة حريصة على ضمان التوزيع العادل للاستثمارات، مع التركيز على المحافظات التي عانت طويلًا من ضعف الخدمات، مشيرة إلى أن هذه الجهود تأتي في إطار خطة مصر 2030 لتحقيق التنمية المستدامة. وأضافت أن التعاون مع شركاء التنمية، وفي مقدمتهم الأمم المتحدة، يسهم في تسريع وتيرة الإنجازات ويعزز من قدرة الدولة على تنفيذ مشروعات متكاملة تستجيب لاحتياجات المواطنين الفعلية.
واعتبرت «المشاط» أن المبادرة الرئاسية «حياة كريمة» تمثل تحولًا نوعيًا في تاريخ التنمية المحلية بمصر، حيث لا تقتصر على تحسين البنية التحتية فقط، بل تمتد إلى دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وتمكين المرأة والشباب، وتعزيز الخدمات الاجتماعية، بما يخلق مجتمعات أكثر قدرة على النمو الذاتي وتحقيق الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.
وتؤكد الأرقام أن محافظة قنا تستحوذ على حصة معتبرة من هذه الجهود، حيث خصص لها 4.8 مليار جنيه ضمن خطة العام المالي 2025/2026، إضافة إلى نصيبها الكبير من مخصصات «حياة كريمة». وتتنوع المشروعات في المحافظة بين تطوير شبكات المياه والصرف، إنشاء مدارس جديدة، وتوسيع نطاق الخدمات الصحية، فضلاً عن مشروعات الزراعة واستصلاح الأراضي التي ستسهم في خلق فرص عمل جديدة وتحقيق الأمن الغذائي.
ويعكس هذا التوجه الحكومي رؤية متكاملة تهدف إلى إعادة صياغة خريطة التنمية في صعيد مصر، وجعلها أكثر جذبًا للاستثمار، وأكثر قدرة على توفير فرص العمل وتحقيق العدالة الاجتماعية بين مختلف الأقاليم.

