شهدت القاهرة افتتاح المؤتمر العام الحادي والعشرين لمنظمة اتحاد مرافق الكهرباء الأفريقية «APUA» تحت عنوان «أفريقيا وتحديات التحول الطاقي»، بمشاركة وزراء الكهرباء والطاقة من مختلف الدول الأفريقية، ورؤساء شركات الكهرباء الوطنية، وعدد من صناع القرار وخبراء الطاقة وممثلي الشركات العالمية. وألقى الدكتور محمود عصمت وزير الكهرباء والطاقة المتجددة كلمة نيابة عن الدكتور مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء، أكد خلالها أن مصر حريصة على دعم القارة الأفريقية في مسيرتها نحو التحول الطاقي والتنمية المستدامة.
وقال الوزير إن انعقاد المؤتمر بهذا الحجم من المشاركة يمثل شهادة على نضج الوعي الأفريقي بأهمية قطاع الطاقة كدعامة رئيسية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتجسيدًا للإرادة المشتركة للدول الأفريقية في مواجهة التحديات وبناء مستقبل قائم على الطاقة النظيفة والمستدامة. وأوضح أن قوة القارة تكمن في وحدتها وتنوعها، وأن تكامل جهود الدول الأفريقية يمكن أن يؤدي إلى بناء نظام طاقة إقليمي موحد يضمن الأمن الطاقي ويعزز التنمية.
وأشار عصمت إلى أن مصر تمتلك تجربة ناجحة في إصلاح وتطوير قطاع الكهرباء، وهي مستعدة لتبادل خبراتها مع الدول الأفريقية، موضحًا أن السنوات الماضية شهدت تنفيذ مشروعات كبرى في مجال التوليد من مصادر الطاقة المتجددة وخاصة الطاقة الشمسية والرياح، إلى جانب تطوير شبكات النقل والتوزيع ورفع كفاءتها لاستيعاب القدرات المتزايدة من الطاقة النظيفة.
كما استعرض الوزير الخطوات التي اتخذتها الحكومة المصرية لوضع استراتيجية طاقة متكاملة حتى عام 2040، تستهدف الوصول بمساهمة الطاقة المتجددة في مزيج الكهرباء إلى نحو 42% بحلول عام 2030 وأكثر من 65% عام 2040. وأكد أن هذه الاستراتيجية لا تقتصر على التوسع في القدرات الإنتاجية فحسب، بل تتضمن برامج لرفع كفاءة استخدام الطاقة وترشيد الاستهلاك بنسبة تصل إلى 18% في مختلف القطاعات بحلول عام 2040.
وأضاف أن مصر قطعت شوطًا كبيرًا في تهيئة البيئة التشريعية لجذب الاستثمارات في قطاع الطاقة، حيث صدر قانون الكهرباء الذي يتيح تحرير السوق ويشجع المنافسة، بالإضافة إلى قانون آخر يتضمن حوافز لمشروعات الطاقة المتجددة والهيدروجين الأخضر. وأوضح أن الدولة تستهدف أن تكون مصر مركزًا محوريًا لإنتاج وتجارة الطاقة في المنطقة، من خلال مشروعات الربط الكهربائي القائمة مع الأردن وليبيا والسودان، والمشروعات الجاري تنفيذها مع السعودية، إلى جانب الدراسات الخاصة بالربط مع أوروبا عبر اليونان وإيطاليا.
وأكد عصمت أن التحول الطاقي لم يعد خيارًا استراتيجيًا يمكن تأجيله، بل أصبح ضرورة حتمية لضمان أمن الطاقة وتقليل الانبعاثات الكربونية وتعزيز النمو الاقتصادي المستدام. وأشار إلى أن هذا التحول يتطلب استثمارات ضخمة طويلة الأجل، ونقل وتوطين التكنولوجيا، إضافة إلى بناء قدرات بشرية قادرة على إدارة وتشغيل منظومات الطاقة الحديثة.
وشدد الوزير على أهمية التعاون الإقليمي في مجالات الربط الكهربائي وتبادل الطاقة، وتطوير الأسواق الإقليمية للكهرباء، فضلًا عن تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص في تنفيذ مشروعات الطاقة المتجددة، وتبني آليات تمويل مبتكرة مثل السندات الخضراء وصناديق المناخ الدولية.
وأشار أيضًا إلى أن أفريقيا تمتلك إمكانات هائلة غير مستغلة في مجالات الطاقة المتجددة، حيث تتمتع بموارد ضخمة للطاقة الشمسية والرياح، إلى جانب الإمكانات الكهرومائية والطاقة الحرارية الأرضية، فضلًا عن ثروة بشرية شابة تُعد الأصغر سنًا عالميًا، ما يمثل ميزة استراتيجية لتحقيق التحول الطاقي.
واختتم وزير الكهرباء كلمته بالتأكيد على أن الهدف من هذا المؤتمر ليس مجرد مناقشة التحديات، وإنما صياغة رؤية موحدة وخارطة طريق عملية قابلة للتنفيذ، تسهم في بناء نظام طاقة أفريقي أكثر مرونة واستدامة، يحقق الأمن الطاقي ويعزز التنمية الاقتصادية ويقلل الاعتماد على الخارج، مضيفًا أن الإرادة السياسية والقدرات الفنية التي تمتلكها أفريقيا تجعلها مؤهلة لقيادة التحول الطاقي بنجاح خلال المرحلة المقبلة.

