- أحمد كجوك: مصر في وضع جيد يسمح لها بإتمام المراجعة الخامسة والسادسة
- د. رانيا المشاط: الكومة تدخل بنتائج ملموسة علي الأرض وبخطط مدروسة ومجربة
- د. فخري الفقي: 9 مؤشرات إيجابية تدعم موقف الدولة قبل المراجعة المرتقبة
تتأهب الحكومة لاستقبال وفد صندوق النقد الدولي في زيارته المرتقبة إلي مصر للبدء في اجراء المراجعتين الخامسة والسادسة لبرنامج دعم مصر المالي بقيمة 8 مليارات دولار، المقرر لها خريف 2025، وذلك بعدما قررت بعثة الصندوق التي زارت مصر مايو الماضي، لعمل المراجعة الخامسة، لكنها انتهت في حينها إلي إرجاء المراجعة إلي الخريف الحالي ليتم عمل المراجعتين معا، رغبة من الصندوق في إعطاء مصر مزيدا من الوقت لاستكمال الإجراءات الأساسية، وخاصة تقليص دور الدولة في الاقتصاد، وتسريع تنفيذ برنامج الطروحات الحكومية، إلى جانب المضي قدما في الإصلاحات الضريبية الهيكلية.
وكانت المتحدثة باسم الصندوق، جولي كوزاك، قد نصحت الحكومة المصرية، أبان زيارة وفد الصندوق إلي القاهرة مايو الماضي، بضرورة العمل علي تنفيذ المزيد من الإصلاحات الرامية إلي إطلاق العنان لإمكانات النمو في البلاد، وخلق المزيد من الوظائف عالية الجودة ، والحدّ بشكل مستدام من مواطن الضعف، وزيادة قدرة الاقتصاد على مواجهة الصدمات، وأن قرار دمج المراجعتين يهدف إلي اتاحة الفرصة للحكومة .
اصلاحات عميقة
علي الحكومة المصرية، كما جاء في تصريحات كوزاك في حينها، أن تدرك أن الاصلاح الاقتصادي يحتاج إلي اصلاحات أكثر عمقا عبر العمل علي تقليص دور القطاع العام في الاقتصاد بشكل حاسم، وتوفير فرص متكافئة لجميع الأطراف الاقتصادية، ومواصلة جهود تطبيق سياسة ملكية الدولة وبرنامج تخارج الاستثمارات في القطاعات، التي التزمت الدولة بتقليص وجودها فيها، مما يدفع في اتجاه تعزيز قدرة القطاع الخاص على المساهمة بشكل أفضل في النمو الاقتصادي، وبالتأكيد مواصلة جهود تحسين بيئة الأعمال.
وفي اعقاب هذه التصريحات، جاء قرار الصندوق بإرجاء المراجعة الخامسة وما تبعه من تأجيل صرف الشريحة المالية الخامسة، الذي فسره الكثيرون بأن التقدم الذي احرزته الحكومة المصرية لم يكن كافيا لإقناع الصندوق بصرف الشريحة المالية الخامسة، وأن تباطؤ الحكومة بدا واضحا في المطالب الخاصة بتقليص بصمة الدولة في النشاط الاقتصادي، وضمان تكافؤ الفرص، وتحسين مناخ الأعمال. وكانت مصر قد طلبت في 2022 من الصندوق قرضاً قيمته 3 مليارات دولار؛ زادت إلي 8 مليارات دولار بعد موافقة الصندوق، وذلك للخروج من الأزمة الاقتصادية. وأنجزت مصر 4 مراجعات بالبرنامج، تلقت خلالها نحو 3.3 مليار دولار.
وجاءت تأكيدات الصندوق، في مايو الماضي، علي ضرورة العمل الجاد لتكون أولويات المرحلة الراهنة تتركز على تفعيل سياسة ملكية الدولة وتسريع برنامج التخارج من الأصول في القطاعات، التي أبدت الحكومة نيتها للانسحاب منها، لكون هذه الخطوات -في رأي الصندوق- أساسية لتمكين القطاع الخاص من قيادة نمو اقتصادي أقوى وأكثر استدامة في مصر، لتكتمل نجاحات الاقتصاد المصري التي تجلت في ما وقع من تحسينات ملحوظة في التضخم وفي مستوى احتياطيات النقد الأجنبي.
الأصوات الوطنية
ردا علي هذه التصريحات تعالت الأصوات الوطنية المطالبة بضرورة إعادة النظر في العلاقة مع صندوق النقد الدولي، بل والبحث عن بدائل للاقتراض من صندوق النقد والتخلي عن برنامج الاصلاح الاقتصادي بالكامل، مؤكدين علي أن الاعتماد المفرط على القروض الخارجية لن يحل أزمات البلاد، وأنها تمثل عبئاً على المواطن، خصوصا لما تنطوي عليه هذه الاتفاقيات التمويلية من مشروطية قد يترتب عليها الاضرار بالمصالح العليا للدولة.
ومرت الأيام سريعا وجاءت شهور الخريف، التي تستعد فيها الحكومة لطرح ما تحقق من انجازات في برنامج الاصلاح الاقتصادي علي طاولة التفاوض مع وفد صندوق النقد الدولي، رغبة من الحكومة في الحصول علي موافقة الصندوق علي صرف الدفعة الخامسة والسادسة من القرض التمويلي المتفق عليه. وتدخل الحكومة جولة المفاوضات المرتقبة وكلها ثقة أن الصندوق لن يجد غير الموافقة علي صرف دفعات القرض بديلا، خصوصا مع الأداء القوي للاقتصاد المصري الآونة الأخيرة.
ولن تكون جولة المفاوضات كسابقتها من الجولات، لأن الكومة تدخلها بنتائج ملموسة علي الأرض وبخطط مدروسة ومجربة تجعلها في موقف أقوي مقارنة بالمواقف السابقة، فالحكومة تتأهب لطرح «السردية الوطنية للتنمية الاقتصادية: السياسات الداعمة للنمو والتشغيل» للحوار المجتمعي، التي تهدف، بحسب د.رانيا المشاط وزير التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي، إلي العمل علي الاستفادة من جهود الدولة، لا سيما في مجال البنية التحتية والخدمات اللوجستية، ما يعزز -بدوره- أداء القطاعات الإنتاجية بالاعتماد علي ما حققته مصر من بنية تحتية ناجحة خلال السنوات الأخيرة.
جني الثمار
تبدأ مرحلة جني الثمار، بحسب السردية، بتركيز أولوياتها على القطاعات القابلة للتداول، التي تُولّد أعلى قيمة مضافة، معتمدة علي نهج الدول الكبري في تجاربها التنموية، التي بدأت بالتركيز على البنية التحتية، بدءًا بالإصلاحات الهيكلية المؤسسية، ثم الانتقال إلى القطاعات القابلة للتداول كالصناعة والسياحة والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، ثم المرحلة التالية وهي: الابتكار، ثم المرحلة الأكثر تطورًا، وهي: الصناعات شديدة التعقيد وسريعة النمو.
وتهدف الحكومة إلى خفض عبء الدين إلى أدنى مستوى له منذ بدء جمع بيانات الدين، ومواصلة جهود استهداف التضخم الذي انخفض من 25.7% في يوليو 2024 إلى 13.9% في يوليو 2025، والحفاظ علي حجم مرتفع من تحويلات العاملين بالخارج (تجاوزت 36.5 مليار دولار عام 2024/ 2025)، ومواصلة جهود تعزيز ايرادات قناة السويس وقطاع السياحة والعمل علي مواصلة جهود خفض معدل البطالة، الذي انخفض إلى أدنى مستوى له في أربع سنوات.
وتعمل الحكومة، وفقا لما جاء في سردية الحكومة، علي ضمان استدامة عملية التنمية والحفاظ على معدل نمو في مصر يتراوح بين 5% و7%، وذلك من خلال المضي قدما وفقا سيناريوهات مختلفة، وأنه رغم التحديات التي تواجهها البلاد على المستويين الجيوسياسي والخارجي، وتوقعات السيناريوهات الأسوأ، إلا أن الاقتصاد المصري لا يزال مستقرًا وإيجابيًا من منظور المؤسسات الدولية والقطاع الخاص، ومن المتوقع أن ترتفع الصادرات بنسبة 20% هذا العام.
وضع جيد
يتحرك الاقتصاد الوطني بخطي ثابتة، في رأي أحمد كجوك، وزير المالية، لأنه أصبح في وضع جيد يسمح له بإتمام المراجعة الخامسة والسادسة من برنامج صندوق النقد الدولي خلال الفترة القريبة المقبلة، وأن الحكومة تعمل على تنفيذ حزمة من الإصلاحات الهيكلية، من بينها نحو 29 إجراءً ضمن خطة تطوير منظومة الجمارك المصرية.
وبرزت تحويلات المصريين العاملين بالخارج كرافد غير مسبوق للنقد الأجنبي، سجلت الفترة من يوليو 2024 إلى مايو 2025 نحو 32.8 مليار دولار بزيادة 70%، واستعادت الصادرات زخمها في بداية 2025، محققة قفزة بـ34% خلال الربع الأول من العام الجاري، حيث بلغت 13 مليار دولار، ما أسهم في خفض العجز في الميزان التجاري غير البترولي بنسبة 12.5%.
وسجل قطاع السياحة المصرية في النصف الأول من عام 2025 أداء غير مسبوق بإيرادات قدرها 8 مليارات دولار، بزيادة 22% مقارنة بنفس الفترة من العام السابق، وتواصل قناة السويس أداءها بصلابة، فبحسب توقعات صندوق النقد الدولي، سترتفع إيرادات القناة تدريجيا من 6.3 مليار دولار في 2025/2026 إلى 11.9 مليار دولار بحلول 2029/2030، بنسبة نمو تقترب من 89% .
وتشمل الإصلاحات، والكلام لـ "كجوك"، العمل على خفض زمن وتكلفة التخليص الجمركي من خلال توحيد الإجراءات في جميع الموانئ والمنافذ الجمركية، بما يسهم في تعزيز كفاءة التجارة وتيسير حركة السلع. وتضع وزارة المالية أولوية لتسريع وتيرة الإصلاحات في قطاعات الجمارك والضرائب، بما يتماشى مع برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي تنفذه الدولة بالتعاون مع صندوق النقد الدولي، وأن هذه الخطوات ستنعكس إيجابًا على بيئة الأعمال وجاذبية الاستثمار في السوق المصرية
.9 مؤشرات
يشهد الاقتصاد المصري الفترة الحالية، بحسب د. فخري الفقي، رئيس لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب، 9 مؤشرات إيجابية مهمة، تدعم موقف الدولة قبل المراجعة المرتقبة مع صندوق النقد الدولي المقرر لها خريف 2025، وأن هذه المؤشرات تعكس خطوات تعافٍ حقيقية، إلى جانب تحسن مستويات التضخم وسعر الصرف، وانخفاض أسعار الفائدة.
ونجحت المؤشرات الاقتصادية في رسم صورة أوضح لحالة الاقتصاد المصري، الذي بدا وكأنه خرج من "غرفة الإنعاش" بعد أزمة خروج 22 مليار دولار من الأموال الساخنة، ليبدأ مرحلة تعافٍ تدريجي مدعومًا بتدفقات استثمارية كبرى، على رأسها استثمارات صفقة رأس الحكمة البالغة 35 مليار دولار، ما يدفع في اتجاه تعزيز معدل النمو الاقتصادي بشكل تدريجي من 4.5% الفترة الحالية إلى 5% ثم 5.5% وصولاً إلى 6% خلال الأعوام الثلاثة المقبلة.
وتتمثل المؤشرات الـ 9 التي تعكس تعافي الاقتصاد المصري، في رأي د. الفخري، في (الناتج المحلي الإجمالي - التشغيل والبطالة - الاستثمارات)، والمؤشرات المالية الخاصة بالموازنة العامة (عجز الموازنة - الفائض الأولي- الدين العام )، والمؤشرات النقدية الايجابية أيضا (سعر الصرف- التضخم- سعر الفائدة)، حيث شهدت هذه المؤشرات تعافي جماعي ملحوظ خلال الشهور الأخيرة، ما أسهم في انتقال الاقتصاد المصري من منطقة الأزمة الحادة إلى مسار التعافٍ التدريجي.
وتذهب السردية الوطنية للتنمية الاقتصادية، والكلام لـ "أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة رئيس لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب"، إلي أن الاقتصاد المصري ينتظره المزيد من التحسن علي المدي المتوسط، التي ينتظر أن يزيد فيها معدل النمو في الناتج المحلي الاجمالي منطقة الـ 6%، ما يجعل الدولة في المنطقة الاقتصادية الآمنة، ويجعلها أكثر ثباتا وقوة في مفاوضاتها مع صندوق النقد الدولي في مراجعته الخامسة والسادسة المقرر لها الأسابيع المقبلة.
3 مؤشرات ايجابية
يدخل الاقتصاد المصري، وفقا لـ "د. نبيل زكي، أستاذ الاقتصاد الدولي والتمويل بجامعة نيويورك"، جولة المفاوضات المرتقبة مع صندوق النقد الدولي في اطار مراجعته الخامسة والسادس متسلحا بـ 3 مؤشرات إيجابية، تدعم موقف الدولة قبيل هذه المراجعة، أولها، المؤشر الخاص بحجم الاحتياطي من النقد الأجنبي لدي البنك المركزي المصري، الذي يزيد عن 49.25 مليار دولار نهاية أغسطس الماضي وفقًا لبيانات البنك المركزي، وهذا مؤشر إيجابي يحسب للاقتصاد المصري حتي مع احتساب جزء من الودائع الخليجية البالغة نحو 18 إلى 19 مليار دولار.
ويظل رقم الاحتياطي النقدي لدي البنك المركزي في حدوده الآمنة، الذي عززه شراء البنك المركزي المصري نحو 44 طنًا من الذهب في مطلع عام 2022، ليرتفع رصيد مصر من الذهب إلى نحو 125 – 126 طنًا، وأن متوسط سعر الأونصة وقتها كان 1400 دولار مقابل 3600 دولار حاليًا، وهذا بدوره عاد بنفع كبير علي وضع الاحتياطي النقدي لدي البنك المركزي.
وييأتي المؤشر الأيجابي الثاني الذي يحسن وضع الاقتصاد المصري تعافي أداء القطاع المصرفي، حيث تحول العجز في صافي الأصول الأجنبية لدي الجهاز المصرفي الذي تراوح السنوات الثلاث الأخيرة بين 14 و16 مليار دولار إلي فائض، ما يعكس -بدوره- تحسنًا ملحوظا في السيولة الدولارية، ويمثل عنصر ثقة إضافي للمستثمرين المحليين والأجانب.
ويتعلق المؤشر الثالث، بحسب د. نبيل زكي، بتحسن قيمة الجنيه المصري، ولو بشكل محدود لا يتجاوز ثلاثة جنيهات، معتبرًا أن ذلك أفضل من السيناريوهات التي كان يمكن أن تدفع بسعر الصرف إلى مستويات 60 أو 65 جنيهًا، ما يدفع في اتجاه المزيد من التحسن الفترة المقبلة، ليتحقق "التحسن المالي النقدي"، الناتج عن تكامل السياسات المالية المتبعة من قبل الحكومة والسياسات النقدية التي يتبعها البنك المركزي، وإن كان استمرار هذا التحسن مرهون بالتحقق من استدامة هذه المؤشرات، ومدى قدرتها على الصمود أمام العوامل الداخلية والخارجية.
التخلي عن الصندوق
التحسن التدريجي لمؤشرات أداء الاقتصاد الوطني، في رأي النائب عاطف المغاوري، عضو مجلس النواب، يجب أن يكون دافعا قويا للحكومة للتخلي عن برنامج صندوق النقد، وتبني نموذج اقتصادي وطني، خاصة أن اتباع سياسات صندوق النقد منذ سبعينات القرن الماضي أدخلت الاقتصاد في حلقة مفرغة من المديونية والتضخم، وأن الاستجابة لشروط الصندوق، دون مراعاة لخصوصية المجتمع المصري، قد يترتب عليه نتائج سلبية.
وأدت سياسات صندوق النقد، والكلام لـ "المغاوري"، إلى زيادات كبيرة في معدلات المديونية، مما يؤثر بالسلب على كل خطط التنمية ويعمق من أزمة عجز الموازنة، ما يعزز من الحاجة إلي تبني بدائل اقتصادية وطنية، وهذا -بالطبع- مرهون بتوافر الإرادة السياسية، وأنه إذا ما توافرت الإرادة، يمكن تدبير البدائل وتوفير الإمكانات والطاقات اللازمة، أما في غيابها، فإن البلاد تخضع لإرادة الغير.

