شهدت القاهرة عقد مؤتمر صحفي مشترك بين الدكتورة رانيا المشاط، وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي، والسيد إريك شوفالييه، السفير الفرنسي بالقاهرة، للإعلان عن تجديد اتفاق التعاون الفني والمالي بين مصر وفرنسا حتى عام 2030، بقيمة إجمالية تصل إلى 4 مليارات يورو، وذلك في مقر الوزارة بالعاصمة الإدارية الجديدة.
المؤتمر جاء ليؤكد على متانة العلاقات الاستراتيجية بين البلدين، وحرص الطرفين على المضي قدمًا في تعزيز التعاون الإنمائي، إلى جانب دفع الشراكة التجارية والاستثمارية، بما يلبي أولويات التنمية في مصر، ويتماشى مع السياسات الفرنسية لدعم الاستقرار في المنطقة.
تعاون يتسق مع «السردية الوطنية للتنمية»
وخلال كلمتها، أوضحت الوزيرة رانيا المشاط أن التعاون الإنمائي بين مصر وفرنسا يمثل أحد المحاور الرئيسية ضمن شراكة أشمل تضم الاستثمار والتجارة وتوطين الصناعة. وأكدت أن الاتفاق الجديد يعكس إصرار البلدين على دفع العلاقات إلى مستوى أكثر شمولًا وارتباطًا بالأولويات الوطنية لمصر.
وأضافت أن الاتفاق يأتي متسقًا مع "السردية الوطنية للتنمية الاقتصادية"، والتي تم إطلاقها مؤخرًا كوثيقة تحدد السياسات الداعمة للنمو والتشغيل، مشيرة إلى أن هذه السردية تعكس التحول نحو نموذج اقتصادي جديد يركز على القطاعات الأكثر إنتاجية، والأعلى قدرة على النفاذ للأسواق العالمية، مثل الصناعات التحويلية والزراعة والاتصالات والسياحة.
وأوضحت المشاط أن مصر تسعى لتعظيم الاستفادة من مصادر التمويل المختلفة، سواء عبر الخزانة العامة أو التمويلات الميسرة أو الشراكات مع القطاع الخاص، وذلك في إطار الاستراتيجية الوطنية المتكاملة لتمويل التنمية التي أطلقتها الوزارة في العام الماضي.
أولويات التعاون بين البلدين
أشارت وزيرة التخطيط إلى أن التعاون مع فرنسا يشمل مشروعات في مجالات الصحة والتعليم الفني والبنية التحتية المستدامة والطاقة المتجددة، لافتة إلى أن برنامج "نُوَفِّي" يمثل نموذجًا رائدًا للمنصات الوطنية التي تربط بين التمويل والبرامج التنموية. وأكدت أن الجانب الفرنسي يشارك أيضًا في تنفيذ مشروعات ذات طابع استراتيجي مثل مترو الأنفاق، الذي يخدم ملايين المواطنين يوميًا، ويعكس أهمية البنية التحتية في تحسين جودة الحياة.
وأضافت أن توطين الصناعة يمثل محورًا محوريًا في الشراكة المصرية الفرنسية، موضحة أن الدولة تعمل على تشجيع الإنتاج المحلي وزيادة القيمة المضافة، بما يسهم في خلق فرص عمل وتعزيز القدرة التنافسية.
تصريحات السفير الفرنسي
من جانبه، أكد السفير الفرنسي إريك شوفالييه التزام بلاده بمواصلة تطوير التعاون مع مصر، مشيرًا إلى أن بلاده تنظر إلى القاهرة كشريك محوري في المنطقة، وأن الاستقرار الاقتصادي المصري يمثل عنصرًا مهمًا للاستقرار الإقليمي.
وأوضح السفير أن التمويلات الفرنسية تشمل منحًا وقروضًا ميسرة، إلى جانب استثمارات من القطاع الخاص توفر آلاف فرص العمل. وأكد أن بلاده تدعم المشروعات ذات الأولوية للحكومة المصرية، وعلى رأسها مشروع التأمين الصحي الشامل الذي يهدف إلى تحسين الخدمات الصحية للمواطنين.
وأضاف أن التعاون في مجال الطاقة المتجددة والتحول إلى الاقتصاد الأخضر يعد من أبرز محاور الشراكة مع مصر، خاصة في ظل التحديات المناخية العالمية. وأكد أن بلاده تتعاون مع القاهرة عبر الدعم الفني والتمويلات الموجهة لمشروعات البنية التحتية المستدامة، والطاقة الجديدة والمتجددة.
شراكة تتجاوز الاقتصاد
وأشار السفير الفرنسي إلى أن العلاقات بين مصر وفرنسا لا تقتصر على الجانب الاقتصادي فقط، بل تشمل أيضًا أبعادًا ثقافية وتعليمية وإنسانية، حيث تسهم المشروعات المشتركة في تعزيز التبادل الثقافي والفكري، وتمكين الشباب والمرأة، بما يتماشى مع أهداف التنمية المستدامة.
وردًا على سؤال من وسائل الإعلام، أوضح السفير أن فرنسا لا تفرض مشروعات بعينها على الحكومة المصرية، بل تعمل وفق أولويات تحددها القاهرة، وهو ما يجعل التعاون قائمًا على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة.
نظرة مستقبلية
في ختام المؤتمر، شددت الدكتورة رانيا المشاط على أن تجديد الاتفاق مع فرنسا يمثل إضافة مهمة لمسيرة التنمية في مصر، مؤكدة أن التمويل من أجل التنمية سيظل قاسمًا مشتركًا بين مختلف الاستراتيجيات الوطنية، وأن الشراكة مع فرنسا تفتح المجال أمام مشاركة أكبر من القطاع الخاص.
وبهذا الإعلان، تكون مصر وفرنسا قد رسختا خطوة جديدة في مسار شراكتهما الاستراتيجية، التي تجمع بين التعاون الإنمائي والاقتصادي والاستثماري، وتستهدف تحقيق التنمية المستدامة وتعزيز الاستقرار الإقليمي، بما يعكس عمق العلاقات التاريخية بين البلدين.

