في إطار حرص الدولة على مواجهة ظاهرة تعاطي المخدرات وتعزيز منظومة الصحة النفسية، عقد الدكتور خالد عبدالغفار، نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الصحة والسكان، اجتماعًا موسعًا مع السيد أليكسيس غوسديل، المدير التنفيذي لوكالة الاتحاد الأوروبي للمخدرات، والوفد المرافق له، وذلك بمقر الوزارة بالقاهرة، لبحث سبل التعاون الفني والمؤسسي في مجالات مكافحة المخدرات، علاج الإدمان، ودعم برامج الصحة النفسية في مصر.
اللقاء الذي حضرته السفيرة أنجلينا آيخهورست، سفيرة الاتحاد الأوروبي لدى القاهرة، وعدد من قيادات الوزارة، تناول مناقشة آليات تطوير التعاون المصري الأوروبي لمواجهة التحديات الصحية والنفسية المرتبطة بتعاطي المخدرات، في ضوء الاهتمام المتزايد الذي توليه الحكومة المصرية لهذا الملف الحيوي، واعتباره أحد الركائز الأساسية لحماية الشباب والحفاظ على الأمن المجتمعي.
وأكد الدكتور خالد عبدالغفار في كلمته خلال اللقاء أن الدولة المصرية تتبنى نهجًا شاملًا لمكافحة الإدمان والوقاية من المخدرات، يجمع بين العلاج والتأهيل والوقاية المجتمعية، مشددًا على أن الصحة النفسية تمثل ركيزة أساسية في استراتيجية وزارة الصحة خلال المرحلة المقبلة، نظرًا لارتباطها المباشر باستقرار المجتمع وإنتاجيته.
وأوضح الوزير أن مصر قطعت خطوات كبيرة في هذا المجال من خلال تطوير الخدمات النفسية والعلاجية، ودعم مراكز علاج الإدمان المنتشرة في مختلف المحافظات، وتحديث نظم الرعاية لتواكب المعايير الدولية، مشيرًا إلى أن الوزارة تركز على الدمج الكامل لخدمات الصحة النفسية ضمن منظومة التأمين الصحي الشامل، لتوفير العلاج والدعم لجميع الفئات دون تمييز.
كما عرض الوزير الجهود الوطنية في تطوير المرصد المصري للمخدرات، والذي يُعد من الأدوات الرئيسية لرصد أنماط التعاطي وتحليل الاتجاهات، موضحًا أنه يجري حاليًا إدماج تقنيات الذكاء الاصطناعي ضمن منظومة الرصد والتقييم، لتحديث البيانات بشكل فوري وتوفير مؤشرات دقيقة تساعد في رسم السياسات الوقائية والعلاجية.
وأشار إلى أن الأمانة العامة للصحة النفسية وعلاج الإدمان نفذت خلال العام الجاري برامج مكثفة لتدريب الكوادر الطبية والنفسية في عدد من المحافظات، منها القاهرة والإسكندرية والشرقية والمنيا، بهدف رفع كفاءة مقدمي الخدمات وتوحيد البروتوكولات العلاجية، مؤكدًا أن الوزارة تتبنى سياسة “العلاج المتكامل” التي تشمل إزالة السموم، وإعادة التأهيل النفسي، والإرشاد الأسري، والوقاية من الانتكاسة.
من جانبه، أشاد السيد أليكسيس غوسديل بالتجربة المصرية في مجال مكافحة المخدرات وعلاج الإدمان، مؤكدًا أن مصر تُعد من الدول الرائدة في المنطقة في هذا المجال، وأن الوكالة الأوروبية تسعى لتعزيز التعاون الفني مع الجانب المصري للاستفادة من هذه الخبرات، ودعم المشروعات الإقليمية المشتركة ضمن مبادرة الاتحاد الأوروبي لرصد المخدرات (EU4MD).
وأوضح غوسديل أن المشروع الأوروبي يهدف إلى مساعدة الدول الشريكة في تطوير أنظمة وطنية لرصد ومكافحة المخدرات، وتعزيز التعاون في تبادل البيانات والتحليل العلمي، مشيرًا إلى أن المرحلة الثانية من المشروع (2023-2027) تركز على دعم القدرات التقنية وتطوير آليات التعامل مع التحديات الصحية والاجتماعية المرتبطة بالإدمان.
كما ناقش الجانبان إمكانية إنشاء برامج مشتركة لتبادل الخبرات والتدريب بين مصر ودول الاتحاد الأوروبي، إلى جانب التعاون في مجال البحوث التطبيقية حول أنماط التعاطي المستحدثة، والتعامل مع المواد المخدرة المصنعة حديثًا، والتي تشكل تحديًا متزايدًا للمنظومات الصحية حول العالم.
وخلال الاجتماع، أكدت السفيرة أنجلينا آيخهورست دعم الاتحاد الأوروبي الكامل للجهود المصرية في مجال مكافحة الإدمان، مشيرة إلى أن التعاون بين الجانبين لا يقتصر على الدعم الفني فقط، بل يمتد إلى تبادل الخبرات وتعزيز الوعي العام بمخاطر المخدرات وتأثيرها على الشباب والمجتمع.
من ناحية أخرى، أشاد الوفد الأوروبي بالجهود التي تبذلها وزارة الصحة في دمج خدمات علاج الإدمان داخل النظام الصحي العام، بما يضمن سهولة الوصول للعلاج وتقليل الوصمة المجتمعية المرتبطة بالإدمان، وهو ما وصفوه بأنه “نهج إنساني متطور” يعكس رؤية مصر في التعامل مع هذه القضية من منظور صحي واجتماعي شامل.
وفي ختام اللقاء، تم الاتفاق على تشكيل فريق عمل مشترك بين وزارة الصحة ووكالة الاتحاد الأوروبي للمخدرات، لوضع خطة تنفيذية للتعاون في مجالات التدريب، وتبادل المعلومات، وتطوير برامج الوقاية والعلاج خلال الفترة المقبلة، بما يسهم في بناء نظام صحي أكثر فاعلية واستدامة في مواجهة الإدمان.
