على هامش مشاركته في الاجتماعات السنوية لصندوق النقد والبنك الدوليين، عقد المهندس حسن الخطيب، وزير الاستثمار والتجارة الخارجية، مائدة مستديرة في واشنطن مع شركة الاستشارات الدولية McLarty Associates وعدد من كبار المستثمرين الأمريكيين وخبراء أسواق المال العالمية، حيث ناقش اللقاء آفاق الاستثمار في مصر والإصلاحات الاقتصادية الجارية لتهيئة بيئة أعمال أكثر كفاءة وجاذبية.
في مستهل كلمته، أكد الوزير أن مصر تدرك حجم التحديات التي تواجه الاقتصاد العالمي حاليًا، إلا أنها ترى في المرحلة الراهنة فرصة تاريخية لإعادة التموضع على خريطة الاستثمار الدولية، مشيرًا إلى أن الدولة المصرية تمتلك الآن مزيجًا فريدًا من الاستقرار السياسي والاقتصادي، وموقعًا استراتيجيًا مدعومًا ببنية تحتية حديثة قادرة على خدمة سلاسل الإمداد والتجارة عبر ثلاث قارات.
وأوضح الخطيب أن الحكومة المصرية نفذت خلال السنوات الأخيرة استثمارات ضخمة في البنية التحتية والمناطق اللوجستية والموانئ والطرق والطاقة والاتصالات، ما أوجد قاعدة قوية قادرة على استيعاب الاستثمارات الجديدة، مضيفًا أن هذه الجهود مكنت مصر من أن تكون وجهة جاذبة للاستثمار الصناعي والخدمي على حد سواء.
وأشار الوزير إلى أن الرؤية الاقتصادية الحالية ترتكز على إصلاحات هيكلية شاملة، هدفها تحقيق النمو المستدام عبر تمكين القطاع الخاص، وتنويع مصادر التمويل، وتحفيز التصنيع المحلي، وتعزيز الصادرات، مشددًا على أن الحكومة تتعامل مع الإصلاح الاقتصادي كعملية مستمرة لا كمرحلة مؤقتة.
وتحدث الوزير باستفاضة عن برنامج الإصلاح الضريبي الذي بدأ تحقيق نتائج ملموسة على أرض الواقع، موضحًا أنه يهدف إلى بناء نظام أكثر عدالة وشفافية، وتبسيط الإجراءات، وربط جميع الجهات الحكومية بمنظومة رقمية موحدة. وأشار إلى أن العمل جارٍ على خفض الأعباء غير الضريبية وتوحيد الرسوم لتقليل التكلفة على المستثمرين وتحسين القدرة التنافسية.
كما لفت الخطيب إلى التقدم الذي حققته الحكومة في ملف التحول الرقمي، مؤكدًا أن الوزارة أطلقت المنصة الموحدة للتراخيص التي تختصر الإجراءات الزمنية إلى 20 يومًا فقط، بعد أن كانت تستغرق عدة أشهر، موضحًا أن المنصة تضم الآن أكثر من 460 خدمة وترخيصًا من 41 جهة حكومية، ويجري التوسع فيها لتغطية جميع القطاعات الاقتصادية.
وكشف الوزير عن خطة لإطلاق منصة الكيانات الاقتصادية كواجهة رقمية متكاملة للمستثمرين، تتيح متابعة جميع مراحل المشروع بداية من التسجيل وحتى الحصول على التراخيص النهائية، مشيرًا إلى أن المرحلة التجريبية أثبتت نجاحًا كبيرًا في تسريع وتيرة الأعمال.
وتطرق الوزير إلى التعاون مع مجموعة البنك الدولي في إطار تقرير “جاهزية الأعمال – Business Ready”، موضحًا أن مصر تعمل على تنفيذ مصفوفة إصلاحات دقيقة تستهدف تحسين موقعها التنافسي عالميًا، وأن 60% من هذه الإصلاحات يمكن تنفيذها خلال أقل من عام، بما يعزز موقع مصر ضمن أفضل 50 اقتصادًا عالميًا في مؤشرات التنافسية وسهولة ممارسة الأعمال.
كما استعرض الوزير السياسة التجارية الوطنية التي أطلقتها مصر مؤخرًا، والتي تمثل أول إطار استراتيجي متكامل للتجارة، موضحًا أنها تهدف إلى تنويع الصادرات، وزيادة الاندماج في سلاسل القيمة العالمية، وتوسيع النفاذ للأسواق الدولية، مشيرًا إلى أن مصر تمتلك الآن فرصة حقيقية لتكون مركزًا إقليميًا للتصنيع والخدمات.
وفيما يتعلق بالإجراءات الجمركية، أوضح الوزير أن الحكومة نجحت في خفض متوسط زمن الإفراج الجمركي من 16 يومًا إلى 5.8 يوم فقط، بفضل سلسلة من الإجراءات الإصلاحية التي تم تنفيذها بالتعاون مع وزارة المالية، مشيرًا إلى أنه مع اكتمال المرحلة الحالية من الإصلاحات سيصل متوسط المدة إلى يومين فقط بنهاية العام، وهو ما سيُحدث نقلة نوعية في كفاءة سلاسل الإمداد وخفض تكلفة التجارة.
وأكد الخطيب أن هذه الإصلاحات لا تقتصر على التيسير الإجرائي فقط، بل تمتد إلى بناء ثقة حقيقية مع المستثمرين من خلال وضوح الرؤية واستقرار السياسات، مشيرًا إلى أن الحكومة تركز على جذب الاستثمارات النوعية ذات القيمة المضافة العالية في مجالات التكنولوجيا، والطاقة الجديدة، والاقتصاد الأخضر، والتصنيع المتقدم.
وقد أعرب المشاركون في اللقاء عن تقديرهم للرؤية التي طرحها الوزير، مشيدين بالتوجه الجاد للحكومة المصرية نحو الإصلاح، وبما تم تحقيقه من نتائج ملموسة خلال فترة وجيزة. وأكد عدد من المستثمرين الأمريكيين رغبتهم في دراسة فرص جديدة في السوق المصري، لاسيما في قطاعات الخدمات اللوجستية، والبنية التحتية، والطاقة، والتكنولوجيا المالية، باعتبارها من أكثر القطاعات الواعدة في المنطقة.
وفي ختام اللقاء، شدد الوزير على أن مصر تسير بخطى ثابتة نحو بناء اقتصاد أكثر مرونة وانفتاحًا، قادر على جذب الاستثمارات النوعية وتحقيق التنمية المستدامة، مؤكدًا أن المرحلة القادمة ستكون مرحلة تنفيذ وشراكات حقيقية مع القطاع الخاص المحلي والدولي.

