في حوار اقتصادي موسع عقده وزير المالية أحمد كجوك مع نخبة من المستثمرين الدوليين خلال ثلاث جلسات متتالية نظمتها مؤسسات «جي. بي. مورجان» و«مورجان ستانلي» و«جولدن مان ساكس» في العاصمة الأمريكية واشنطن، أكد الوزير أن ما تعهدت به الحكومة المصرية من إصلاحات اقتصادية ومالية أصبح واقعًا ملموسًا انعكس بوضوح على مؤشرات الأداء خلال العام المالي الماضي، مشيرًا إلى أن النتائج المحققة جاءت متوافقة مع المستهدفات التي وُضعت سلفًا في خطط الإصلاح.
وأوضح كجوك أن الحكومة نفذت حزمة من الإصلاحات الهيكلية التي أسهمت في تحسين بيئة الأعمال وجذب المزيد من الاستثمارات، لافتًا إلى أن القطاع الخاص كان الأسرع استجابة لتلك الإصلاحات واستحوذ على النسبة الأكبر من الاستثمارات المنفذة خلال العام المالي المنتهي. وأكد أن هذا التفاعل الإيجابي يعكس الثقة المتزايدة في الاقتصاد المصري من جانب المستثمرين المحليين والدوليين.
وأشار الوزير إلى أن دمج المراجعتين الخامسة والسادسة لبرنامج صندوق النقد الدولي يعد خطوة مهمة لقياس الأداء الاقتصادي والمالي وفق النتائج الفعلية للعام المالي الماضي، مما يمنح المؤسسات الدولية رؤية دقيقة حول تطور مؤشرات الاقتصاد المصري، ويساعد على تعزيز الشفافية والثقة بين الحكومة وشركائها الماليين.
ولفت كجوك إلى أن السياسات الضريبية الجديدة التي اعتمدتها الحكومة ساهمت في ترسيخ علاقة شراكة قائمة على الثقة مع مجتمع الأعمال، موضحًا أن التسهيلات التي تم تطبيقها خلال الفترة الماضية شجعت العديد من المستثمرين والممولين الجدد على الدخول إلى السوق المصري طواعية، وهو ما انعكس على زيادة الحصيلة الضريبية دون فرض أعباء إضافية على المواطنين أو الشركات.
وأكد الوزير أن الحكومة ماضية في تبني سياسات وبرامج اقتصادية أكثر استهدافًا تركز على تحفيز الإنتاج والتصدير بالتوازي مع ضمان تحقيق الانضباط المالي والاستقرار الاقتصادي، مشددًا على أن الفترة المقبلة ستشهد مزيدًا من الإجراءات الداعمة لتحسين بيئة الاستثمار ورفع كفاءة إدارة الموارد العامة للدولة.
وكشف كجوك أن الحكومة تخطط لتنفيذ ما بين ثلاث إلى أربع طروحات جديدة سنويًا في قطاعات متنوعة تشمل الخدمات المالية، والتأمين، وإدارة المطارات، واللوجستيات، والطاقة المتجددة، مشيرًا إلى أن برنامج الطروحات الحكومية يهدف إلى توسيع قاعدة الملكية وجذب استثمارات نوعية تسهم في دفع النمو الاقتصادي.
وأوضح الوزير أن جزءًا مؤثرًا من الإيرادات الاستثنائية التي تحققها الدولة يتم توجيهه لخفض المديونية الحكومية، إلى جانب تمويل برامج التنمية البشرية ومبادرات الحماية الاجتماعية التي تستهدف الفئات الأولى بالرعاية، مؤكدًا أن الحكومة تسعى لتحقيق توازن دقيق بين متطلبات النمو الاقتصادي والحفاظ على الاستقرار المالي.
وأعلن كجوك أن وزارة المالية ستكشف في ديسمبر المقبل عن استراتيجية شاملة لإدارة مديونية أجهزة الموازنة العامة، تتضمن خطة طموحة لخفض نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي إلى أقل من 75% خلال ثلاث سنوات، مع العمل على إطالة عمر الدين ليصل إلى خمس سنوات بدلًا من ثلاث حاليًا، بما يسهم في تقليل أعباء خدمة الدين وخفض تكلفته تدريجيًا إلى نحو 7% من الناتج المحلي خلال المدى المتوسط.
وأضاف الوزير أن الحكومة تعمل بالتوازي على زيادة حجم التمويلات الميسرة من المؤسسات الدولية، فضلًا عن التوسع في مبادرات مبادلة الديون باستثمارات مباشرة، في ضوء النجاح الذي حققته مصر في صفقة «رأس الحكمة» التي تعد نموذجًا للتعاون الاستثماري المتوازن القائم على المنفعة المشتركة.
وأوضح كجوك أن المباحثات الحالية مع عدد من الدول العربية والغربية تستهدف تحويل جزء من ودائعها إلى استثمارات طويلة الأجل داخل السوق المصري، مما يسهم في خفض مستويات الدين العام وتعزيز الاحتياطي النقدي وزيادة التدفقات الاستثمارية المباشرة.
وأكد في ختام حديثه أن وزارة المالية مستمرة في نهجها القائم على الانضباط المالي والشفافية، مع إعطاء أولوية لدعم القطاع الخاص باعتباره قاطرة النمو الرئيسية، مشيرًا إلى أن مصر تمتلك مقومات اقتصادية قوية تؤهلها لتحقيق معدلات نمو مستدامة رغم التحديات العالمية.
وشدد على أن المرحلة المقبلة ستشهد مزيدًا من المبادرات التحفيزية لدعم الإنتاج المحلي وزيادة الصادرات، مشيرًا إلى أن ما تحقق من نتائج إيجابية خلال العام المالي الماضي هو نتاج تضافر الجهود الحكومية مع القطاع الخاص ومجتمع الأعمال، مؤكدًا أن الحكومة ماضية في مسارها الإصلاحي بثقة وثبات.

