في خطوة جديدة نحو تعزيز الأمن الصحي والتنمية الصناعية في القارة السمراء، شاركت الدكتورة رانيا المشاط وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي، في تجمع محافظي الدول الأفريقية لدى البنك الدولي، الذي عُقد على هامش الاجتماعات السنوية لصندوق النقد والبنك الدوليين لعام 2025، بمشاركة رئيس البنك الدولي أجاي بانجا وعدد من الوزراء والمسؤولين الأفارقة والدوليين، لمناقشة جهود التحول الاقتصادي ودعم صناعة الدواء في أفريقيا.
وخلال كلمتها، أكدت الوزيرة أن قارة أفريقيا تقف أمام لحظة حاسمة في تاريخها التنموي، إذ لا يمكن تحقيق الاستقلال الاقتصادي دون تحقيق الاكتفاء الدوائي، مشيرة إلى أن القارة التي تضم أكثر من مليار وأربعمائة مليون نسمة لا تنتج سوى 3% فقط من احتياجاتها الدوائية، وتعتمد بنسبة تفوق 90% على الواردات، وهو ما يجعلها عرضة لتقلبات الأسواق العالمية وتعطل سلاسل الإمداد كما حدث خلال جائحة "كوفيد-19".
وأشادت المشاط بمبادرة البنك الدولي AIM2030، التي تهدف إلى دعم التصنيع المحلي للأدوية واللقاحات في أفريقيا، موضحة أن المبادرة تُنفذ تجريبيًا في تسع دول أفريقية، وتشكل خطوة جادة لبناء منظومة صحية متكاملة قادرة على الصمود أمام الأزمات المستقبلية، وتحقيق التكامل بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأفريقي.
وأضافت الوزيرة أن هذه المبادرة تمثل فرصة استراتيجية لتأسيس صناعة دوائية أفريقية قادرة على المنافسة، مشيرة إلى أن سوق الدواء في أفريقيا يقدر بنحو 30 مليار دولار سنويًا، لكنه لا يجذب سوى 5% فقط من الاستثمارات الأجنبية المباشرة، ما يعني أن هناك إمكانيات ضخمة غير مستغلة يمكن أن تساهم في خلق مئات الآلاف من فرص العمل الجديدة، وتنمية مهارات الكوادر الشابة والعلماء والفنيين بالقارة.
وأكدت المشاط أن تحقيق هذا الهدف يتطلب توحيد الجهود على مستوى القارة من خلال تبني سياسات موحدة ضمن إطار اتفاقية التجارة الحرة الأفريقية، وتفعيل دور وكالة الأدوية الأفريقية لتوحيد الأطر التنظيمية، بجانب تطوير منظومات النقل والتخزين وسلاسل التوريد، خاصة سلاسل التبريد وأنظمة التتبع الرقمي لضمان جودة وسلامة الأدوية المنتجة محليًا.
وشددت الوزيرة على أهمية تعبئة التمويل المبتكر عبر شراكات بين الحكومات والقطاع الخاص، ومؤسسات التمويل الدولية، بهدف دعم البنية التحتية الصناعية والصحية في القارة، موضحة أن الفجوة التمويلية في هذا المجال تقدر بنحو 155 مليار دولار سنويًا، مما يستدعي سرعة التحرك لجذب الاستثمارات طويلة الأجل الموجهة لهذا القطاع الحيوي.
كما أكدت وزيرة التخطيط أن مصر تلعب دورًا محوريًا في دعم أجندة التنمية الأفريقية، من خلال خبراتها في التصنيع الدوائي والمبادرات التي أطلقتها الدولة خلال السنوات الأخيرة، وفي مقدمتها مبادرة "100 مليون صحة" التي كانت نموذجًا ناجحًا في تحقيق الوصول الشامل للخدمات الصحية على المستوى الوطني. وأضافت أن مصر على استعداد لنقل تجربتها في التصنيع المحلي للدواء والمستلزمات الطبية إلى الدول الشقيقة، في إطار التعاون الإقليمي والشراكة مع البنك الدولي ومؤسسات التنمية الأفريقية.
ومن جانبه، أشاد أجاي بانجا، رئيس البنك الدولي، خلال الجلسة، بالتعاون المستمر بين مؤسسات التمويل الدولية والدول الأفريقية لتحقيق الأمن الصحي، مؤكدًا أن مبادرة AIM2030 تمثل أداة رئيسية لتقليل الفجوة في إنتاج الأدوية داخل القارة، وتوفير حلول عملية لخفض الاعتماد على الواردات وتعزيز سلاسل الإمداد الإقليمية.
في السياق نفسه، أثنت آنا بيردي، نائب رئيس البنك الدولي، على جهود مصر في مجال التحول الأخضر والطاقة المتجددة، مؤكدة أن القاهرة قطعت خطوات واسعة نحو توطين الصناعات المرتبطة بالطاقة النظيفة، وأن تجربتها يمكن أن تشكل نموذجًا لتكامل القطاعات الصناعية والصحية في تحقيق التنمية المستدامة.
واختتمت الدكتورة رانيا المشاط كلمتها بالتأكيد على أن تحقيق الأمن الصحي في أفريقيا لا يقل أهمية عن الأمن الغذائي والمائي، مشيرة إلى أن نجاح القارة في بناء صناعة دوائية مستقلة سيكون هو المفتاح الحقيقي لتحقيق التنمية الشاملة، وتحويل أفريقيا من مستورد للدواء إلى مركز إنتاجي عالمي قادر على المنافسة والتصدير.
وأكدت أن الحكومة المصرية ستواصل دعمها الكامل للمبادرات الأفريقية في هذا الاتجاه، مشددة على أن عام 2026 سيشهد الإطلاق الرسمي لمبادرة AIM2030، التي من المتوقع أن تُحدث تحولًا جذريًا في خريطة التصنيع الدوائي داخل القارة، وتفتح آفاقًا جديدة للاستثمار والتعاون الإقليمي.

