أكد الدكتور محمد فريد، رئيس الهيئة العامة للرقابة المالية، أن التحول الرقمي في الأسواق المالية أصبح اليوم أحد أهم عوامل تعزيز جاذبية الاستثمار، مشيرًا إلى أن التجربة المصرية نجحت في تحقيق تقدم ملحوظ في هذا المجال، ما انعكس على زيادة معدلات الشمول المالي، وجذب استثمارات جديدة خاصة في قطاع الشركات الناشئة.
جاء ذلك خلال مشاركته في حوار مفتوح مع مجموعة من المستثمرين العالميين من مؤسسات “جيه بي مورجان”، و“مورجان ستانلي”، و“جولدمان ساكس”، بالعاصمة الأمريكية واشنطن، على هامش الاجتماعات السنوية لصندوق النقد والبنك الدوليين، حيث عرض فريد ملامح التطوير الشامل الذي تشهده منظومة الأسواق المالية غير المصرفية في مصر.
وأوضح رئيس الهيئة أن اللقاءات تأتي ضمن جهود الدولة المصرية لتعميق التواصل مع مجتمع الاستثمار الدولي، والتأكيد على التقدم الذي تحققه الإصلاحات الاقتصادية والمالية في مصر، مشيرًا إلى أن المرحلة الحالية تشهد بناء بيئة استثمارية أكثر استقرارًا وانفتاحًا تتكامل مع الاقتصاد العالمي.
وأشار فريد إلى أن توسيع قاعدة الملكية في السوق المصرية يمثل أحد محاور التطوير الأساسية التي تتبناها الهيئة، موضحًا أن المشاركة المؤسسية يجب ألا تقتصر على المستثمرين الأفراد، بل تشمل أيضًا المؤسسات المالية الكبرى مثل صناديق المعاشات وشركات التأمين وصناديق الاستثمار، لما توفره من استقرار في التداولات، وتحسين لمستويات الحوكمة والانضباط داخل السوق.
وأضاف أن مشاركة تلك المؤسسات تُسهم في توجيه رؤوس الأموال نحو الاستثمارات طويلة الأجل، بما يعزز من كفاءة التسعير في الأسواق ويحد من المضاربات قصيرة المدى، وهو ما ينعكس بدوره على عمق السوق واستدامته على المدى الطويل.
وفي سياق متصل، أكد الدكتور فريد أن الرقمنة أصبحت أحد أهم محركات النمو في الأسواق المالية غير المصرفية، مشيرًا إلى أن الهيئة تبنّت خلال السنوات الماضية خطة شاملة لرقمنة الإجراءات والمعاملات، تضمنت إدخال أنظمة إلكترونية متكاملة للتعرف على العملاء، وفتح الحسابات الرقمية، وتنفيذ المعاملات إلكترونيًا عبر منصات آمنة وموثوقة.
وأوضح أن هذه الخطوات أحدثت نقلة نوعية في معدلات الانخراط المالي، وساهمت في جذب شرائح جديدة من المتعاملين، لاسيما الشباب ورواد الأعمال، الذين أصبحوا قادرين على الوصول إلى الخدمات المالية بسهولة، وهو ما يعزز من الشمول المالي ويقوي مناعة الاقتصاد في مواجهة التقلبات العالمية.
وتابع رئيس الهيئة موضحًا أن التجربة المصرية في هذا المجال كانت رائدة على مستوى القارة الإفريقية، إذ ساهمت الإصلاحات التشريعية والتنظيمية في جذب استثمارات ضخمة في مجال رأس المال المخاطر وتمويل الشركات الناشئة، وهو ما جعل مصر تتصدر الترتيب الإفريقي في جذب هذا النوع من الاستثمارات خلال الأعوام الأخيرة.
وأكد فريد أن ما تحقق من نجاحات يعود إلى رؤية الدولة المصرية في دعم ريادة الأعمال والابتكار، مشيرًا إلى أن الهيئة تعمل على تهيئة بيئة استثمارية تسمح بتوسيع نطاق الشركات الناشئة، وتوفير التمويل اللازم لنموها من خلال أدوات جديدة مثل صناديق الاستثمار في رأس المال المخاطر والسندات التنموية والصكوك المستدامة.
وأشار إلى أن الهيئة تواصل تطوير الأطر القانونية والتنظيمية لضمان التوازن بين التنظيم والابتكار، بحيث يتم حماية المستثمرين من جهة، مع السماح في الوقت نفسه بطرح منتجات مالية جديدة تتماشى مع التطورات العالمية في مجالات التمويل الأخضر والمستدام.
كما لفت إلى أن المرحلة المقبلة ستشهد تعزيز التعاون الفني والمؤسسي مع المؤسسات الدولية لتبادل الخبرات ودعم بناء القدرات المحلية، بجانب العمل على تبسيط إجراءات دخول رؤوس الأموال الأجنبية للسوق المصري، وإزالة أي معوقات قد تواجه المستثمرين الدوليين.
وشدد رئيس الهيئة على أن الرقابة المالية تسعى لأن تكون أسواق المال المصرية مركزًا إقليميًا لجذب الاستثمارات، من خلال منظومة تشريعية مرنة وعصرية تراعي أعلى معايير الحوكمة والإفصاح والشفافية، مؤكداً أن هذه الرؤية تتسق مع توجيهات الدولة المصرية الرامية إلى تعزيز مكانة مصر كأحد أبرز الأسواق الواعدة في الشرق الأوسط وإفريقيا.
واختتم الدكتور محمد فريد تصريحاته بالتأكيد على أن الإصلاح الاقتصادي المصري بات نموذجًا يحتذى به في المنطقة، بفضل الجمع بين السياسات المالية المنضبطة والتوسع في أدوات التمويل الرقمي، ما يتيح فرصًا حقيقية للنمو المستدام وجذب مزيد من الاستثمارات طويلة الأجل.

