في مشهد غير مألوف لكنه يعبّر عن تحول مهم في مفهوم التوعية المجتمعية، استقبلت هيئة الرقابة النووية والإشعاعية، بمقرها الرئيسي اليوم الأحد 24 أغسطس 2025، وفداً من أطفال مكتبة مصر العامة بالأقصر، في زيارة تُعد الأولى من نوعها على مستوى أنشطة الهيئة، وذلك بمشاركة السفير رضا الطايفي مدير صندوق مكتبات مصر العامة، والدكتور أحمد أمان المنسق العام للمكتبات على مستوى الجمهورية.
الوفد ضم نحو 60 طفلاً وفتى من أعمار تتراوح بين 10 و17 عامًا، قدموا من الأقصر محمّلين بأفكار ومشروعات إبداعية تتناول دور الهيئة التنظيمي والرقابي، وهو ما عكس مستوى وعي لافت لدى النشء بما تقوم به الدولة من جهود في مجال الرقابة النووية والإشعاعية وضمان سلامة الإنسان والبيئة.
رسائل مبسطة من جيل جديد
الأطفال المشاركون قدّموا أعمالاً متنوعة شملت فيديوهات قصيرة توعوية موجهة لشرائح عمرية مختلفة، وقصص حكي وشعر، بالإضافة إلى مجسمات فنية صمموها بأنفسهم توضّح مهام الهيئة في مراقبة الأنشطة النووية والإشعاعية داخل مصر، وجهودها في ترسيخ مبادئ الأمن والأمان النووي.
وبحسب المنظمين، فإن ما قدّمه الأطفال عكس قدرة هذا الجيل على تبسيط المفاهيم العلمية المعقدة وتحويلها إلى رسائل يسهل استيعابها من المجتمع، وهو ما وصفه مسؤولو الهيئة بـ"خطوة نوعية في بناء سفراء للوعي النووي والإشعاعي من بين أبناء المحافظات".
تقدير من المسؤولين
الدكتور سامي شعبان، رئيس هيئة الرقابة النووية والإشعاعية، عبّر عن فخره بما شاهده من إبداع، مؤكدًا أن مثل هذه الزيارات تُجسد الشراكة بين المؤسسات الثقافية والتعليمية والهيئات الوطنية. وأضاف أن الأطفال يمثلون نواة لسفراء الهيئة في محافظاتهم، وأن دمجهم في هذه الأنشطة هو السبيل لترسيخ ثقافة الأمان النووي في المجتمع منذ سن مبكرة.
أما السفير رضا الطايفي، مدير صندوق مكتبات مصر العامة، فأشاد بالدور الكبير الذي تقوم به مكتبة مصر العامة بالأقصر في إعداد جيل قادر على استيعاب قضايا وطنية بالغة الأهمية مثل الرقابة النووية والإشعاعية، معتبرًا أن الشراكة مع الهيئة نموذج ناجح لتكامل المؤسسات الثقافية والعلمية.
جولات تعريفية داخل الهيئة
وعقب العروض التي قدّمها الأطفال، اصطحب مسؤولو الهيئة الوفد في جولة شملت معاملها المتخصصة وشبكات الرصد الإشعاعي، حيث قدّم الدكتور مصطفى درويش، رئيس إدارة الدعم الفني والمعامل، شروحًا مبسطة حول آليات العمل داخل المختبرات. كما قاد الدكتور عبد الفتاح سليمان، رئيس مركز التميز، جولة في المعرض الدائم للهيئة الذي يضم نماذج ومجسمات للمنشآت النووية والإشعاعية، مع شرح تفصيلي لكيفية ممارسة الهيئة لدورها الرقابي.
الأطفال أبدوا انبهارهم بما شاهدوه من أجهزة ومعدات، وطرحوا أسئلة متكررة حول كيفية رصد الإشعاع والتعامل مع مصادره المختلفة، وهو ما قابله الخبراء باهتمام، مؤكدين أن الفضول العلمي لدى هذه الفئة العمرية مؤشر مشجع على تنمية قاعدة من المهتمين بالعلوم النووية في المستقبل.
ثمرة تعاون مؤسسي
تأتي هذه الزيارة في إطار بروتوكول التعاون الموقع بين هيئة الرقابة النووية والإشعاعية وصندوق مكتبات مصر العامة، والذي يهدف إلى تعزيز الوعي المجتمعي بمسائل الأمان النووي والإشعاعي. كما تأتي تنفيذًا لتوصيات اجتماع موسع عُقد في يوليو الماضي بين فريق التواصل بالهيئة ومحافظ الأقصر، بحضور قيادات المكتبة ومسؤولي التعاون الدولي.
وأكدت الدكتورة ماهيتاب المناوي، رئيس إدارة العلاقات العامة والتعاون الدولي بالهيئة، أن هذا النشاط يُعتبر نموذجًا لما تسعى إليه الهيئة من إشراك مختلف الفئات المجتمعية، مشيرة إلى أن الأطفال هم الفئة الأكثر تأثيرًا في تشكيل وعي المجتمع مستقبلاً.
الأطفال سفراء وعي جديد
ما ميّز الفعالية أن الأطفال لم يكونوا مجرد متلقين، بل تحوّلوا إلى "صنّاع محتوى توعوي"، مستخدمين أدوات بسيطة لكن فعّالة مثل الفيديوهات القصيرة والمجسمات التوضيحية. وقد اعتبر مسؤولو الهيئة أن هذا النهج يفتح آفاقًا جديدة في استراتيجية التوعية، إذ يجعل من النشء شركاء فاعلين في نشر المعرفة، لا مجرد جمهور مستهدف.
دلالات أوسع للزيارة
الحدث يعكس أيضًا توجهًا جديدًا في عمل مؤسسات الدولة، يقوم على بناء جسور بين الأجيال الصغيرة والهيئات المتخصصة، بما يُسهم في نشر ثقافة علمية قائمة على الفهم والوعي. فالقضايا المرتبطة بالطاقة النووية والإشعاعية عادة ما تُصنَّف ضمن الموضوعات المعقدة، لكن تحويلها إلى موضوعات مبسطة يتفاعل معها الأطفال يعكس نجاحًا في تحويل التوعية إلى مشروع مجتمعي شامل.
رسالة ختامية
في ختام الزيارة، اتفق مسؤولو الهيئة وصندوق مكتبات مصر العامة على أن التجربة تمثل انطلاقة لمزيد من الأنشطة المشابهة في محافظات أخرى، بهدف تحويل الأطفال إلى حلقة وصل بين المؤسسات المتخصصة والمجتمع المحلي.
وأكد الحضور أن طلائع مكتبة الأقصر أثبتوا أن لديهم القدرة على أن يكونوا رسل توعية وسفراء ثقافة أمان نووي وإشعاعي، وأن الجهد المبذول من هؤلاء الأطفال يستحق التقدير، لأنه يعكس رؤية وطنية شاملة ترى في النشء طاقة حقيقية لبناء المستقبل.
