شاركت الدكتورة عبلة الألفي، نائب وزير الصحة والسكان، في فعاليات المؤتمر الدولي السنوي التاسع والثلاثين لقسم النساء والتوليد بكلية الطب جامعة الإسكندرية، الذي تناول أحدث التطورات في مجال صحة المرأة والولادة، بمشاركة واسعة من الأطباء والخبراء المصريين والدوليين.
وخلال الجلسة النقاشية التي حملت عنوان «القبالة: من الرؤية إلى الواقع»، عبّرت نائب الوزير عن قلقها من الارتفاع المتزايد في نسب الولادات القيصرية في مصر، والتي أصبحت تتجاوز المعدلات العالمية الموصى بها، مشيرة إلى أن المشكلة لا تتعلق فقط باتجاه الأطباء نحو الولادة القيصرية، بل تمتد إلى غياب البنية التحتية الداعمة للولادة الطبيعية في المستشفيات، ونقص غرف الولادة المجهزة وأدواتها، وهو ما يجعل الولادة القيصرية الخيار الأسهل والأسرع.
وأكدت «الألفي» أن هناك حاجة ملحّة لإعادة تفعيل نظام القابلات «الداية» بصورة علمية حديثة، موضحة أن عدداً كبيراً من أطباء النساء والتوليد أنفسهم أصبحوا يفضلون هذا الاتجاه، نظرًا لصعوبة متابعة الولادة الطبيعية التي قد تستمر لساعات طويلة تصل إلى 14 أو 16 ساعة، في ظل ضغط العمل ونقص الكوادر.
وأوضح الدكتور حسام عبد الغفار، المتحدث الرسمي باسم وزارة الصحة، أن نائب الوزير واجهت خلال طرحها لمبادرتها تحديين رئيسيين: الأول هو رفض بعض النقابات الطبية منح القابلات استقلالية كاملة في ممارسة المهنة، واقتصار دورهن على المساعدة في مراحل المخاض الأولى فقط، أما التحدي الثاني فيتعلق بتدريب القابلات وفقًا لمعايير المجلس الدولي للقابلات (ICM)، حيث رفض عدد من الأطباء أن يتولين مهمة تدريب زميلاتهن الجدد.
وقدمت الدكتورة الألفي خلال كلمتها استراتيجيتين واضحتين لمواجهة أزمة الولادات القيصرية المتزايدة، الأولى قصيرة المدى تستهدف دعم وتشجيع الولادة الطبيعية داخل المستشفيات من خلال التعاون المباشر مع أطباء التوليد، والثانية طويلة المدى تهدف إلى بناء نظام متكامل للقبالة في مصر، يوفر رعاية شاملة ومستدامة للأم والطفل قبل وأثناء وبعد الولادة.
وأعلنت «الألفي» عن أهداف وطنية محددة لخفض معدلات الولادة القيصرية في مصر إلى 40% في حالات الولادة المتعددة، و30% في حالات الولادة الأولى، بحلول عام 2028، مشيرة إلى أن وزارة الصحة بصدد تشكيل لجنة وطنية لإعداد إرشادات موحدة لعمليات الولادة، بما يتماشى مع المعايير الدولية ويضمن سلامة الأمهات.
وأضافت أن الوزارة انتهت مؤخرًا من تأهيل وتدريب 1000 قابلة حديثة ضمن المسار المصري الجديد، الذي يمتد لثمانية أشهر، في خطوة أولى نحو سد العجز في أعداد القابلات المؤهلات، مع خطة مستقبلية لإعادة تخصص "القبالة" في كليات التمريض المصرية، لتخريج دفعات جديدة قادرة على تلبية الاحتياج الوطني المقدر بنحو 20 ألف قابلة لتغطية أكثر من مليوني ولادة سنويًا.
كما أشارت إلى الاتفاق على تطبيق معايير المجلس الدولي للقابلات في التدريب، بحيث يمتد برنامج الممرضة القابلة إلى 18 شهرًا، ويصل إلى ثلاث سنوات للدارسات المتفرغات، بجانب إطلاق مبادرة جديدة تحت اسم «دولا»، تهدف إلى تدريب مساعدات دعم نفسي للحوامل في مراحل الحمل والولادة دون أي تدخل طبي مباشر، بمدة تدريبية لا تتجاوز ثلاثة أيام.
وأكدت نائب الوزير أهمية تحديث القوانين المنظمة لمهنة القبالة في مصر، خاصة قانوني عامي 1954 و1981، ليتماشيا مع التطورات الحديثة ومتطلبات نظام صحي أكثر شمولًا وإنصافًا للأمهات، موضحة أن الدول التي أعادت تفعيل نظام القابلات شهدت تحسنًا ملحوظًا في مؤشرات صحة الأم والطفل، وانخفاضًا في نسب الولادة القيصرية والوفيات الناتجة عنها.
وشهدت الجلسة مشاركة عدد من الخبراء المحليين والدوليين، من بينهم الدكتور أحمد مصطفى، والدكتورة هناء أبو القاسم، من جامعة الإسكندرية، إلى جانب القابلة الأمريكية عائشة الحجار، التي استعرضت تجارب دولية ناجحة في إعادة تنظيم مهنة القبالة وتكاملها مع النظام الصحي الرسمي، مؤكدة أن الاستثمار في القابلات هو استثمار مباشر في صحة المرأة والأسرة.
ويُعد هذا الطرح خطوة جديدة نحو إعادة التوازن إلى منظومة الولادة في مصر، بين ما هو طبي وما هو إنساني، وبين التقدم العلمي والعودة إلى الجذور المهنية التي كانت تمثل في الماضي حجر الأساس لصحة الأمهات.

