شهدت قاعة مركز الدراسات القضائية صباح اليوم الأحد 24 أغسطس 2025 حدثًا بارزًا في مسيرة القضاء المصري، حيث افتتح المستشار عدنان فنجري وزير العدل، والدكتور أسامة الأزهري وزير الأوقاف، دورة التكوين الأساسي الرابعة والخمسين للقضاة الجدد، والتي تستمر فعالياتها لمدة شهر كامل من 24 أغسطس وحتى 24 سبتمبر المقبل، بمشاركة 252 قاضيًا من مختلف المحافظات.
اللقاء لم يكن مجرد مناسبة رسمية عابرة، بل جسّد رؤية الدولة نحو بناء جيل جديد من القضاة يتمتعون بالكفاءة العلمية، والقدرة العملية، والانضباط المهني الذي يليق بمكانة القضاء المصري. ويأتي هذا التدريب في إطار سياسة وزارة العدل الرامية إلى إرساء مبدأ "التدريب المستمر" بوصفه أحد أهم أدوات صقل مهارات القضاة وتنمية قدراتهم، بما يتناسب مع حجم المسؤولية الملقاة على عاتقهم.
كلمة وزير الأوقاف
في بداية الفعاليات، وجّه الدكتور أسامة الأزهري وزير الأوقاف كلمة ملهمة، أكد فيها أن رسالة القضاء ليست مجرد وظيفة، وإنما رسالة سامية ترتكز على ثلاثة عناصر رئيسية: المعلومات، المهارات، والوجدانيات. وقال الأزهري إن القاضي لا يؤدي مهمته إلا إذا كان مستندًا إلى الحق والعدل والنور، مستشهدًا بالدعاء النبوي لسيدنا علي بن أبي طالب عندما بعثه الرسول ﷺ قاضيًا: "اللهم اهد قلبه وثبّت لسانه".
وأشار الأزهري إلى أن العلاقة بين القانون والوجدان الإنساني علاقة متكاملة، وأن العدالة الحقيقية لا تتحقق فقط بالنصوص القانونية، بل بضمير القاضي الذي يزن الأمور بميزان الحكمة والرحمة.
كلمة وزير العدل
من جانبه، رحّب المستشار عدنان فنجري بالحضور، ووجه تحية تقدير لوزير الأوقاف على مشاركته الفعالية، مؤكدًا أن المرحلة التي يقبل عليها القضاة الجدد تُعد من أدق المراحل في مسيرتهم المهنية، حيث ينتقلون من موقعهم بالنيابة العامة إلى منصة القضاء.
وأوضح وزير العدل أن هذه النقلة تتطلب التزامًا راسخًا بالمسلك القويم، وكفاءة فنية عالية، فضلًا عن القدرة على إدارة الخصومة القضائية بحياد تام، مشددًا على أن الاستقلال والنزاهة قيم لا تنفصل عن العلم والخبرة. وأضاف أن القاضي لا بد أن يكون دائم الاطلاع، مواكبًا للتطورات القانونية والتكنولوجية، لأن العلم هو "المصباح المنير" في أداء رسالته.
محاور التدريب
البرنامج التدريبي لهذه الدورة يتسم بالتنوع والشمولية، حيث يشمل محاور أساسية مثل:
القيم والتقاليد القضائية.
المبادئ الإجرائية في قانون الإجراءات الجنائية.
قواعد قانون المرافعات.
مبادئ قانون الإثبات.
الأطر الأساسية للقانون المدني.
القواعد المتعلقة بقوانين الأحوال الشخصية.
ويعتمد التدريب على مناهج تفاعلية وتطبيقية تهدف إلى ربط الجانب النظري بالواقع العملي، بحيث يتم تدريب القاضي على كيفية إدارة ملف الدعوى منذ بدايته وحتى صدور الحكم، مع التركيز على صياغة الأحكام بشكل سليم وتلافي الأخطاء الشائعة التي قد تؤثر على سير العدالة.
التدريب المستمر بعد الدورة
وأكد مسؤولو وزارة العدل أن برنامج التكوين الأساسي ليس إلا بداية لمسيرة طويلة من التدريب المستمر، حيث من المقرر أن ينطلق برنامج سنوي مع بداية العام القضائي، اعتبارًا من شهر نوفمبر وحتى يونيو من كل عام، بنظام يجمع بين الحضور المباشر والتدريب عن بُعد عبر المنصات الإلكترونية الحديثة. وسيشمل هذا البرنامج قضايا عملية ومشكلات تطبيقية حقيقية، إلى جانب مناقشة الأخطاء الشائعة وسبل معالجتها، بما يعزز من قدرة القضاة على أداء دورهم بكفاءة عالية.
تكريم أوائل الدورة السابقة
واختُتمت الفعاليات بتكريم وزير العدل ووزير الأوقاف لعدد من القضاة المتميزين الذين حصلوا على المراتب الأولى في الدورة السابقة، في بادرة تحمل رسالة دعم معنوي للقضاة الجدد وتشجعهم على بذل مزيد من الجهد. وأعرب المكرمون عن سعادتهم بهذا التكريم، مؤكدين أن التدريب ساعدهم على صقل خبراتهم وجعلهم أكثر قدرة على مواجهة التحديات المهنية.
رؤية شاملة
اللافت في هذه الفعالية أن التعاون بين وزارتي العدل والأوقاف يعكس اهتمام الدولة ببناء شخصية القاضي من جوانبها المتعددة، فلا يقتصر الأمر على الجانب القانوني فحسب، بل يمتد إلى بناء الوجدان وتعزيز منظومة القيم التي تحصّن القاضي من أي مؤثرات خارجية.
كما أن التركيز على التدريب التفاعلي يعكس توجهًا حديثًا في إعداد رجال القضاء، حيث لم يعد الاعتماد على المحاضرات النظرية كافيًا، بل أصبح من الضروري توفير بيئة عملية تحاكي الواقع، وتُعنى بصياغة الأحكام وإدارة القضايا بأسلوب مهني متكامل.
وبهذا المشهد، يمكن القول إن دورة التكوين الأساسية الرابعة والخمسين ليست مجرد تدريب، وإنما استثمار حقيقي في بناء كوادر قضائية شابة قادرة على حمل رسالة العدالة في مصر، بما يعزز الثقة في منظومة القضاء ويرسخ مكانتها كركيزة أساسية من ركائز الدولة.

