شهد مستشفى بهية في الشيخ زايد صباح اليوم حدثًا طبيًا وتكنولوجيًا غير مسبوق على مستوى المنطقة، حيث أُعلن عن بدء العمل رسميًا بمنظومة مصرية متكاملة للكشف المبكر عن سرطان الثدي باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي، وذلك بحضور الدكتور عمرو طلعت، وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، وعدد من القيادات الطبية والتكنولوجية.
هذا المشروع، الذي تم تطويره بالتعاون بين مركز الابتكار التطبيقي التابع لوزارة الاتصالات ومؤسسة بهية، يُعد الأول من نوعه في منطقة الشرق الأوسط، ويمثل خطوة نوعية في دمج التكنولوجيا المتقدمة مع قطاع الرعاية الصحية، بهدف تحسين جودة التشخيص، وتوسيع دائرة المستفيدين من خدمات الكشف المبكر، وتقليل معدلات الوفيات المرتبطة بالمرض.
منظومة مصرية خالصة
بحسب ما جرى الإعلان عنه خلال الفعالية، فقد تم بناء محرك الذكاء الاصطناعي بأيدٍ مصرية 100%، من خلال فريق من المهندسين والباحثين المتخصصين بمركز الابتكار التطبيقي. وتم تدريب النظام على قاعدة بيانات ضخمة تضم أكثر من 60 ألف صورة ماموجرام مصنفة، الأمر الذي أتاح له الوصول إلى دقة تقارب 90% في التشخيص الأولي.
وتتيح المنظومة الجديدة تحليل صور الأشعة بسرعة وكفاءة، مع القدرة على التمييز بين الكتل الحميدة والخبيثة، ما يوفر للأطباء أداة مساعدة قوية لتسريع قرارات التشخيص وتحديد خطوات العلاج في وقت مبكر.
كلمة وزير الاتصالات
في كلمته، أعرب الدكتور عمرو طلعت عن فخره بإطلاق منظومة مصرية بالكامل في مجال على هذا القدر من الحساسية والأهمية، مشيرًا إلى أن المشروع يمثل "لبنة أولى في مسيرة التعاون بين مركز الابتكار التطبيقي ومستشفى بهية"، وأنه يعكس الرؤية الاستراتيجية للوزارة في تطويع الذكاء الاصطناعي لخدمة قضايا المجتمع، وفي مقدمتها الرعاية الصحية.
وأوضح الوزير أن تأسيس مركز الابتكار التطبيقي جاء ليكون منصة لتطوير حلول عملية باستخدام أحدث تقنيات الثورة الصناعية الرابعة، مع التأكيد على أن نجاح هذا المشروع ما هو إلا ثمرة لجهد مشترك بين الخبراء الطبيين والمتخصصين في الذكاء الاصطناعي.
تعاون علمي ومجتمعي
الدكتور أحمد طنطاوي، المشرف على أعمال مركز الابتكار التطبيقي، أوضح أن تميز هذه المنظومة ينبع من كونها مهيأة خصيصًا للبيئة الطبية المصرية، حيث جرى تدريبها على بيانات واقعية عالية الجودة من المجتمع المصري، بما يجعل نتائجها أكثر دقة وملاءمة مقارنة بالحلول المستوردة.
في المقابل، أكد المهندس تامر شوقي، رئيس مجلس أمناء مؤسسة بهية، أن هذا التعاون يعكس إيمان المؤسسة بضرورة الاستفادة من التكنولوجيا الحديثة لتوسيع نطاق خدماتها، مشيرًا إلى أن المنظومة الجديدة ستتيح تقديم خدمات تشخيص أسرع وأكثر دقة لعشرات الآلاف من السيدات على مستوى الجمهورية، وهو ما يساهم بشكل مباشر في خفض تكاليف العلاج وزيادة نسب الشفاء.
دعم صحة المرأة المصرية
الحدث لم يكن تقنيًا بحتًا، بل حمل أبعادًا اجتماعية وصحية عميقة، إذ أكد الحضور أن المشروع يأتي انطلاقًا من إيمان الدولة بأهمية الحفاظ على صحة المرأة المصرية، التي تمثل الركيزة الأساسية للمجتمع. ومن خلال الكشف المبكر والدقة العالية، يمكن إنقاذ آلاف الأرواح سنويًا وتقليل الأعباء الصحية والاقتصادية الناجمة عن التشخيص المتأخر.
دمج كامل في البنية التقنية
بحسب ما استُعرض خلال الفعالية، فقد جرى الدمج الكامل للمنظومة داخل البنية التكنولوجية لمستشفى بهية، بحيث أصبحت جزءًا من سير العمل اليومي للأطباء والفنيين. كما تم تصميم آلية للتعلم المستمر، إذ يعاد تغذية النظام بالبيانات المستخلصة من نتائج الفحوصات، مما يساعده على تحسين أدائه ورفع كفاءته بمرور الوقت.
آفاق مستقبلية
وزير الاتصالات أكد أن الوزارة ستواصل دعم المشروع لتطوير قدراته وتوسيع نطاقه ليشمل مستشفيات ومراكز طبية أخرى، ما يضمن وصول الخدمة لأكبر عدد من السيدات، خاصة في المناطق النائية. وأضاف أن هناك خططًا للتوسع في مجالات أخرى للرعاية الصحية باستخدام الذكاء الاصطناعي، بحيث تصبح التجربة المصرية نموذجًا إقليميًا في هذا المجال.
إشادة بالتكامل بين التخصصات
خلال العرض التوضيحي، أشار فريق العمل إلى أن المنظومة تمثل نموذجًا حقيقيًا للتكامل بين مجالات متعددة، إذ شارك في تطويرها أطباء أشعة، وأخصائيو أورام، ومهندسو برمجيات، وعلماء بيانات، وهو ما يعكس روح التعاون بين مختلف التخصصات لصالح قضية إنسانية ملحة.
خاتمة
إطلاق هذه المنظومة لم يكن مجرد خطوة تقنية، بل حدث وطني يجمع بين الطموح العلمي والمسؤولية الاجتماعية. فهي تعكس قدرة العقول المصرية على تقديم حلول مبتكرة في أصعب المجالات، وتفتح الباب أمام مستقبل جديد للرعاية الصحية قائم على الذكاء الاصطناعي والتحول الرقمي.
ويظل الأثر الأكبر لهذا المشروع متمثلًا في الاطمئنان الذي يمنحه لآلاف السيدات، إذ يتيح لهن فرصة الحصول على تشخيص مبكر ودقيق، بما يزيد من فرص الشفاء ويمنحهن حياة أكثر صحة وأمانًا.

