شهدت مدينة جدة بالمملكة العربية السعودية جولة جديدة من المشاورات الثنائية بين مصر وتركيا، حيث التقى الدكتور بدر عبد العاطي، وزير الخارجية والهجرة وشئون المصريين بالخارج، بنظيره التركي هاكان فيدان، على هامش الدورة الاستثنائية لمجلس وزراء خارجية منظمة التعاون الإسلامي، وذلك يوم الاثنين الموافق 25 أغسطس 2025.
ركز اللقاء على مناقشة مختلف جوانب العلاقات بين القاهرة وأنقرة، إلى جانب استعراض مستجدات الملفات الإقليمية ذات الأولوية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية والأوضاع في ليبيا وسوريا والسودان والقرن الأفريقي.
مئوية العلاقات المصرية–التركية
عبّر الوزيران في مستهل المشاورات عن ارتياحهما للتطور الإيجابي الذي تشهده العلاقات بين البلدين خلال الفترة الأخيرة، خاصة مع مرور مائة عام على إقامة العلاقات الدبلوماسية بين القاهرة وأنقرة، وهو ما اعتبراه مناسبة تاريخية يمكن البناء عليها لتعزيز التعاون في مختلف المجالات.
وأكد الجانبان أن انعقاد المجلس الاستراتيجي رفيع المستوى بين مصر وتركيا في إسطنبول العام الماضي، وزيارة وزير الخارجية التركي إلى مدينة العلمين الجديدة خلال أغسطس الجاري، يمثلان محطات هامة في مسار تطوير العلاقات الثنائية. وتم الاتفاق على ضرورة الإسراع في تفعيل آليات التعاون القائمة، من خلال التحضير للاجتماع الأول لمجموعة التخطيط المشتركة في أقرب وقت ممكن.
شراكة استراتيجية
وشدد الوزيران على أهمية انعقاد الدورة الثانية لمجلس التعاون الاستراتيجي رفيع المستوى، برئاسة السيد رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي ونظيره التركي رجب طيب أردوغان، باعتبارها خطوة أساسية لترسيخ الأطر المؤسسية للشراكة المصرية–التركية في الفترة المقبلة.
كما جدد الوزير بدر عبد العاطي الدعوة لزيادة حجم الاستثمارات التركية في السوق المصري، مؤكداً أن القاهرة حريصة على تهيئة بيئة جاذبة للاستثمارات الأجنبية، وأن هناك فرصًا كبيرة يمكن استغلالها في قطاعات الصناعة والطاقة والبنية التحتية. وأوضح أن الهدف المشترك هو رفع حجم التبادل التجاري إلى 15 مليار دولار خلال السنوات الخمس المقبلة، بما يتماشى مع قوة العلاقات الاقتصادية المتنامية بين البلدين.
فلسطين أولوية مشتركة
احتلت تطورات الأوضاع في الأراضي الفلسطينية المحتلة موقعًا بارزًا في النقاش، حيث جدد الوزيران رفضهما القاطع للعدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة، مؤكدين ضرورة وقف القصف والجرائم بحق المدنيين.
وشدد الوزيران على أن السياسات الإسرائيلية القائمة على التجويع والاستهداف الممنهج للمدنيين تمثل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي الإنساني. وأدانا استمرار الاستيطان في الضفة الغربية، والتوسع في الانتهاكات داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة.
من جانبه، استعرض الوزير عبد العاطي الجهود التي تبذلها مصر بالتنسيق مع قطر للتوصل إلى وقف لإطلاق النار، مشيرًا إلى أن مصر قدمت 70% من المساعدات الإنسانية التي دخلت إلى القطاع حتى الآن، بينما لا تزال أكثر من خمسة آلاف شاحنة إغاثة عالقة على الحدود بسبب العراقيل الإسرائيلية. وأكد أن الضغط الدولي يجب أن يتصاعد لإجبار إسرائيل على القبول بالصفقة المطروحة، خاصة بعد إعلان حركة حماس موافقتها عليها.
قضايا إقليمية ملحة
لم يقتصر النقاش على الملف الفلسطيني فقط، بل شمل أيضًا التطورات في عدد من بؤر التوتر الإقليمي. حيث تبادل الوزيران الرؤى بشأن الوضع في ليبيا وسبل دعم المسار السياسي هناك، مع التأكيد على أهمية الحفاظ على وحدة الدولة الليبية ومؤسساتها الوطنية.
كما ناقشا تطورات الأوضاع في سوريا ولبنان، مشددين على ضرورة تكثيف الجهود لوقف الأزمات المتفاقمة وفتح المجال أمام التنمية والاستقرار. وفيما يتعلق بالسودان، اتفق الطرفان على أهمية دعم الجهود الرامية لإنهاء النزاع وتحقيق السلام الشامل.
أما بالنسبة للقرن الأفريقي، فقد شدد الجانبان على أن أمن هذه المنطقة الحيوية يمثل ركيزة أساسية لاستقرار القارة الأفريقية ككل، وأن التعاون بين القاهرة وأنقرة يمكن أن يسهم في دعم مسارات التنمية وحل النزاعات.
دبلوماسية نشطة
أظهر اللقاء بوضوح رغبة الطرفين في المضي قدمًا نحو تطوير العلاقات الثنائية بما يتجاوز الملفات التقليدية، حيث اتفق الوزيران على أن التنسيق بين القاهرة وأنقرة يمكن أن يشكل إضافة مهمة للجهود الإقليمية الرامية إلى تحقيق الأمن والاستقرار.
كما أشار وزير الخارجية المصري إلى أن مصر تنظر إلى تركيا باعتبارها شريكًا إقليميًا مهمًا، وأن تعزيز التعاون معها يخدم مصالح الشعبين، ويفتح المجال لمزيد من التفاهم حول القضايا الإقليمية ذات الأولوية.
مستقبل واعد
من المتوقع أن تشهد الفترة المقبلة خطوات عملية لترجمة ما تم الاتفاق عليه في جدة إلى واقع ملموس، سواء من خلال تفعيل اللجان المشتركة أو زيادة حجم الاستثمارات المتبادلة، أو عبر التنسيق في الملفات الإقليمية المعقدة.
ويعكس هذا اللقاء استمرار مساعي القاهرة وأنقرة لإعادة بناء الثقة وتطوير شراكة متوازنة، تقوم على المصالح المشتركة والاحترام المتبادل، في وقت تتزايد فيه التحديات بالمنطقة.
ومع اقتراب انعقاد الدورة الثانية لمجلس التعاون الاستراتيجي رفيع المستوى، تبدو العلاقات المصرية–التركية مرشحة للدخول في مرحلة جديدة أكثر عمقًا واتساعًا، خاصة مع توافق الجانبين على ربط التعاون الاقتصادي بالعمل المشترك في القضايا السياسية والأمنية، وهو ما يمنح هذه العلاقات طابعًا استراتيجيًا يتجاوز الحدود الثنائية ليشمل بعدًا إقليميًا أوسع.

