شهدت مدينة جدة بالمملكة العربية السعودية، على هامش أعمال الدورة الاستثنائية لمجلس وزراء خارجية منظمة التعاون الإسلامي، لقاءً مهماً جمع بين الدكتور بدر عبد العاطي وزير الخارجية والهجرة وشئون المصريين بالخارج، ونظيره التونسي السيد محمد علي النفطي وزير الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج، حيث ناقش الجانبان العلاقات الثنائية بين البلدين الشقيقين وعدداً من الملفات الإقليمية الملحة.
الوزيران استعرضا مسار العلاقات المصرية – التونسية، وأكدا خلال المباحثات اعتزازهما بما تحقق من تقدم ملحوظ في السنوات الأخيرة، مشددين على الحرص المتبادل على الارتقاء بمستوى التعاون الثنائي بما يحقق مصالح الشعبين. كما تم التطرق إلى الاستعدادات الجارية لعقد الدورة الثامنة عشرة للجنة العليا المصرية – التونسية المشتركة، والتي ستُعقد برئاسة رئيس مجلس الوزراء المصري ورئيسة الحكومة التونسية.
هذا الاجتماع المرتقب يُنظر إليه كمنصة لتعزيز التعاون في مجالات الاقتصاد، التعليم، الأمن، والطاقة، إضافة إلى دعم التبادل الثقافي والتعاون البرلماني.
غزة.. في صدارة الأولويات
لم يغب الملف الفلسطيني عن أجندة المباحثات، حيث عرض الوزير بدر عبد العاطي الجهود المصرية المبذولة منذ اندلاع الأزمة الأخيرة في قطاع غزة. وأوضح أن القاهرة تتحرك على أكثر من صعيد إقليمي ودولي في محاولة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، يتضمن إطلاق سراح الرهائن والأسرى، وفتح ممرات آمنة لإدخال المساعدات الإنسانية العاجلة.
وأكد الوزير المصري أن السياسات الإسرائيلية القائمة على الحصار والتجويع خلّفت تداعيات إنسانية مأساوية، مشدداً على أن مصر ستواصل جهودها الدبلوماسية والإنسانية حتى يتم التخفيف من معاناة الشعب الفلسطيني. ومن جانبه، أعرب الوزير التونسي عن دعمه الكامل للتحركات المصرية، مؤكداً أن تونس تقف إلى جانب كل الجهود التي تسعى إلى وقف نزيف الدم وحماية المدنيين.
الملف الليبي.. ضرورة الحل السياسي
كما تطرقت المحادثات إلى الأزمة الليبية، إذ شدد الجانبان على أهمية دعم المسار السياسي الليبي – الليبي، باعتباره السبيل الوحيد لضمان استقرار البلاد. وأكد الوزيران ضرورة خروج المرتزقة والقوات الأجنبية، وتفعيل الآلية الثلاثية لدول جوار ليبيا (مصر، تونس، الجزائر).
ورحب الوزير عبد العاطي بالإعلان الصادر عن المبعوثة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة بشأن خارطة طريق لحل الأزمة الليبية، خاصة ما يتعلق بتشكيل حكومة مؤقتة تشرف على تنظيم الانتخابات الوطنية في غضون فترة زمنية محددة تتراوح بين 12 و18 شهراً.
السودان.. دعم ثابت من القاهرة وتونس
الملف السوداني كان أيضاً حاضراً بقوة في مباحثات جدة، حيث أكد وزير الخارجية المصري موقف بلاده الثابت الداعم لوحدة السودان وسيادته وسلامة أراضيه. وشدد على أن القاهرة حريصة على دعم المؤسسات الوطنية السودانية، والمساهمة في كل الجهود الإقليمية والدولية التي تستهدف التوصل إلى وقف فوري لإطلاق النار.
وأشار عبد العاطي إلى أن مصر تنظر إلى السودان باعتباره دولة محورية في استقرار المنطقة، وأن إنهاء المعاناة الإنسانية للشعب السوداني هو أولوية لا تحتمل التأجيل. وفي السياق ذاته، عبّر الوزير التونسي عن تضامن بلاده الكامل مع الشعب السوداني، مؤكداً توافق الرؤى مع مصر في ضرورة الحفاظ على مؤسسات الدولة ومنع انزلاق السودان إلى مزيد من الفوضى.
الحوار بين وزيري خارجية مصر وتونس لم يقتصر على الأزمات الثلاث الكبرى (غزة – ليبيا – السودان)، بل تطرق أيضاً إلى التحديات الإقليمية الأوسع التي تواجه المنطقة، وعلى رأسها قضايا الإرهاب والتطرف والهجرة غير الشرعية. وأكد الجانبان أن التنسيق المشترك بين القاهرة وتونس يمثل ركيزة مهمة لدعم الاستقرار في شمال أفريقيا والشرق الأوسط.
كما شددا على أهمية تعزيز العمل المشترك في المحافل الإقليمية والدولية، سواء في إطار الاتحاد الأفريقي أو منظمة التعاون الإسلامي أو الأمم المتحدة، بما يعكس وحدة الموقف العربي ويدعم القضايا العادلة.
المتابعون للشأنين المصري والتونسي يعتبرون أن اللقاء في جدة يعكس إدراكاً متزايداً لدى البلدين لأهمية تكثيف التنسيق في مواجهة التحديات الراهنة. فالعلاقات بين مصر وتونس ليست مجرد علاقات ثنائية تقليدية، بل ترتبط بمصالح أمنية واستراتيجية مشتركة تتعلق بحدود ليبيا، واستقرار المتوسط، والتضامن مع الشعب الفلسطيني.
ويرى محللون أن انتظام اجتماعات اللجنة العليا المشتركة يمثل فرصة لتطوير الشراكة الاقتصادية، لا سيما في مجالات الطاقة المتجددة، السياحة، وتكنولوجيا المعلومات، وهو ما يفتح آفاقاً جديدة للتعاون بعيداً عن الملفات السياسية الساخنة.
اللقاء المصري – التونسي في جدة يعكس بوضوح إرادة سياسية مشتركة لرفع مستوى العلاقات الثنائية والتنسيق تجاه قضايا المنطقة. ومن شأن هذا الزخم أن يُترجم إلى خطوات عملية خلال الأشهر المقبلة، سواء عبر تفعيل الاتفاقيات الموقعة أو عبر التعاون المباشر في الملفات السياسية والأمنية.
ومع انعقاد اللجنة العليا المصرية – التونسية المرتقبة، يتطلع الجانبان إلى مرحلة جديدة من الشراكة الشاملة التي توازن بين المصالح الثنائية ودعم القضايا الإقليمية الكبرى.

