في ظل تصاعد الأحداث المرتبطة بالقضية الفلسطينية وتزايد الاهتمام الدولي بمستجداتها، أصدر مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء إصدارته الخاصة الجديدة، التي حملت قراءة دقيقة لاتجاهات الرأي العام العالمي حيال الصراع الفلسطيني–الإسرائيلي. وتأتي هذه الإصدارة لتكشف ملامح التحولات في المزاج الشعبي بدول مختلفة، وهو ما يتيح للحكومة المصرية إدراك الضغوط والفرص السياسية، ويدعم مساعيها في صياغة سياسات أكثر توازنًا للتعامل مع التطورات الإقليمية والدولية.
اللافت في نتائج الاستطلاعات، بحسب ما رصد التقرير، هو التحول الواضح في مواقف الرأي العام في كندا والولايات المتحدة. ففي كندا، رأى نحو 38% من المستطلعين أن العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة ترقى إلى مستوى "الإبادة الجماعية"، بينما عبّر 63% عن تأييدهم الواضح للاعتراف بدولة فلسطين حتى في حال تعارض ذلك مع مواقف الإدارة الأمريكية أو حدوث خلافات تجارية مع واشنطن.
أما في الولايات المتحدة، فقد أظهر الاستطلاع أن 49% من المواطنين يشاطرون الرأي القائل بأن ما يحدث في غزة يمثل إبادة جماعية، وهو مؤشر مهم على تبدل المزاج الشعبي في بلد يُعد الداعم الأكبر لإسرائيل تاريخيًا.
وفي بريطانيا، أوضحت نتائج الاستطلاع أن 45% من المواطنين يؤيدون اعتراف حكومتهم بدولة فلسطين، بينما عارض 14% فقط، فيما ظل 41% من المستطلعين مترددين ولم يحسموا موقفهم. ويعكس ذلك وجود قاعدة شعبية مؤثرة قد تدفع لندن إلى اتخاذ مواقف أكثر وضوحًا في المستقبل.
أما في فرنسا، فقد كشف الاستطلاع عن حالة انقسام واضحة؛ إذ رفض 47% الاعتراف الفوري بدولة فلسطين، وربط 31% الاعتراف بشروط محددة، بينما أيد 22% الاعتراف دون قيد أو شرط. ومن المثير أن 58% من الفرنسيين يعتقدون أن الاعتراف قد يؤدي إلى مزيد من التوتر بين إسرائيل وإيران، ما يعكس خشية الشارع الفرنسي من التداعيات الجيوسياسية المحتملة.
وعلى الجانب الإسرائيلي، أظهرت نتائج الاستطلاع أن نصف الإسرائيليين تقريبًا (50%) لا يرون إمكانية واقعية لقيام دولة فلسطينية مستقلة تعيش في سلام بجوار إسرائيل. كما اعتبر 75% أن غياب الثقة هو العقبة الأساسية أمام أي عملية سلام، يليها وضع القدس بنسبة 70%، ثم قضية المستوطنات بنسبة 52%.
وأكد 81% من الإسرائيليين أن الولايات المتحدة هي الطرف الأكثر تأثيرًا في عملية السلام، فيما اعتبر 44% أن مصر تحتل المرتبة الثانية مباشرة بعد واشنطن من حيث القدرة على لعب دور محوري في أي تسوية مستقبلية.
على الجانب الفلسطيني، كشف الاستطلاع أن 80% من الفلسطينيين يرون أن الحرب لن تتوقف إلا بانسحاب إسرائيلي كامل من قطاع غزة، وهو ما يعكس إصرارًا شعبيًا على رفض أي حلول وسط لا تحقق الانسحاب الكامل. كما أوضحت النتائج تمسك الفلسطينيين بحقهم في البقاء على أرضهم، ورفضهم القاطع لمحاولات التهجير أو نزع السلاح، مع وجود انفتاح مشروط على الترتيبات الدولية لما بعد الحرب.
من بين النتائج اللافتة في الإصدارة، ما يتعلق بصورة مصر في الوعي الإقليمي والدولي؛ إذ رأى 44% من الإسرائيليين أن القاهرة تأتي مباشرة بعد الولايات المتحدة في قدرتها على التأثير في ملف السلام. ويؤكد ذلك أن مصر تظل لاعبًا أساسيًا في معادلة الصراع، وصاحبة دور لا غنى عنه في دفع مسار التهدئة أو إعادة إطلاق المفاوضات.
■ قراءة شاملة للاتجاهات
بوجه عام، يوضح التقرير أن الرأي العام العالمي يتجه بشكل متزايد نحو التشكيك في الممارسات الإسرائيلية داخل غزة والضفة، بينما يظل الرأي الإسرائيلي أكثر تشددًا وتحفظًا إزاء أي تسوية. وفي المقابل، يتمسك الفلسطينيون بحقوقهم الوطنية رغم ما يواجهونه من تحديات إنسانية وأمنية.
ويرى مراقبون أن نتائج هذه الاستطلاعات تحمل دلالات سياسية مهمة؛ إذ تكشف أن إسرائيل لم تعد تتمتع بنفس الدرجة من التعاطف غير المشروط لدى الرأي العام الغربي، وهو ما قد يترجم إلى ضغوط أكبر على الحكومات الأوروبية والأمريكية في حال استمرار التصعيد.
■ أهمية الإصدارة لمتخذ القرار
تأتي هذه الإصدارة من مركز المعلومات بمجلس الوزراء في توقيت حساس، حيث تشهد الساحة الدولية حراكًا دبلوماسيًا متصاعدًا بشأن القضية الفلسطينية. وهي تسعى إلى تزويد صانعي القرار المصريين بقاعدة معرفية متينة حول اتجاهات الرأي العام العالمي، بما يساعد في رسم سياسات أكثر واقعية واستشرافًا للمستقبل.
ويؤكد صدور هذا التقرير أن الحكومة المصرية تضع قضية فلسطين في قلب أولوياتها، ليس فقط من منطلق دورها التاريخي والإقليمي، بل أيضًا باعتبارها قضية محورية تؤثر على استقرار المنطقة بأسرها.
