في إطار الجهود المصرية المستمرة لدعم القضية الفلسطينية وتعزيز التحركات الدبلوماسية على الساحة الدولية، استقبل الدكتور بدر عبد العاطي، وزير الخارجية والهجرة وشئون المصريين بالخارج، نظيرته الفلسطينية الدكتورة فارسين أغابكيان شاهين، وذلك على هامش اجتماعات الدورة 164 لمجلس جامعة الدول العربية بالقاهرة يوم الخميس 4 سبتمبر 2025.
اللقاء جاء في لحظة دقيقة تمر بها المنطقة، حيث تتواصل الاعتداءات الإسرائيلية على قطاع غزة، وسط أزمة إنسانية خانقة يعيشها سكان القطاع نتيجة الحصار، وتجدد المخاوف من توسيع العمليات العسكرية.
رفض مصري قاطع للتهجير والجرائم الإسرائيلية
أكد الوزير عبد العاطي خلال المباحثات أن موقف مصر ثابت وراسخ في رفض جميع المحاولات التي تهدف إلى تهجير الفلسطينيين قسراً من أراضيهم، مشدداً على أن القاهرة لن تقبل بمشروعات تهدد الهوية الفلسطينية أو تمس وحدة الأراضي المحتلة. كما دان استمرار الجرائم الإسرائيلية التي وصفها بأنها "ممارسات إبادة وتجويع" ضد أبناء الشعب الفلسطيني في غزة، محذراً من تداعياتها الإنسانية والسياسية على مستقبل الاستقرار في المنطقة.
الهدنة المطروحة ومبادرات الوساطة
وشهد اللقاء استعراض الجهود الجارية لوقف إطلاق النار، خاصة المقترح الذي تقوده مصر وقطر استناداً إلى المبادرة المطروحة من المبعوث الأمريكي الخاص للشرق الأوسط ستيف ويتكوف. وأوضح الوزير أن القاهرة تواصل مساعيها المكثفة مع مختلف الأطراف لتمهيد الطريق أمام هدنة شاملة تسمح بدخول المساعدات الإنسانية والإغاثية بشكل عاجل وآمن إلى قطاع غزة.
القضية في الضفة الغربية
ولم يقتصر النقاش على غزة، بل تطرق الطرفان إلى ما تشهده الضفة الغربية من انتهاكات متواصلة، حيث عبّر وزير الخارجية المصري عن رفض بلاده المطلق للمخططات الاستيطانية الإسرائيلية، وخاصة المشروع المعروف باسم "E1" الذي يستهدف توسيع المستوطنات وقطع أوصال الضفة الغربية. وأكد أن مثل هذه الممارسات غير القانونية، بما فيها مصادرة الأراضي وحملات الترهيب من قبل المستوطنين، تمثل انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي وتقويضاً لفرص السلام العادل.
التحرك الدولي من أجل الاعتراف بالدولة الفلسطينية
كما بحث الوزيران التنسيق المشترك بين القاهرة ورام الله لحشد المزيد من الدعم الدولي تجاه الاعتراف بدولة فلسطين، وذلك قبل انعقاد المؤتمر الدولي المعني بتنفيذ حل الدولتين، المقرر عقده في نيويورك على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة هذا الشهر.
وأشار عبد العاطي إلى أن مصر ترحب باعتزام عدد من الدول اتخاذ خطوات رسمية للاعتراف بدولة فلسطين، مؤكداً أن هذا التحرك يمثل خطوة مهمة نحو ترسيخ حل الدولتين باعتباره الخيار الوحيد القابل للتطبيق. وأضاف أن القاهرة ستواصل مساندة الشعب الفلسطيني حتى ينال حقه المشروع في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة على حدود الرابع من يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
إعمار غزة وخطة التعافي المبكر
وفيما يتعلق بالملف الإنساني، تطرقت المناقشات إلى الخطة العربية–الإسلامية للتعافي المبكر وإعادة إعمار غزة، حيث استعرض وزير الخارجية المصري الرؤية الخاصة بالمؤتمر الدولي الذي تعتزم مصر تنظيمه بالتعاون مع السلطة الفلسطينية والأمم المتحدة، على أن يُعقد فور التوصل إلى وقف إطلاق النار.
وأكد عبد العاطي أن القاهرة حريصة على أن يتجاوز المؤتمر مرحلة الإغاثة العاجلة إلى وضع تصور شامل لإعادة إعمار القطاع بشكل يضمن حياة كريمة للفلسطينيين ويعيد بناء ما دمرته الحرب.
اللقاء المصري الفلسطيني لم يكن مجرد اجتماع ثنائي على هامش الجامعة العربية، بل حمل رسائل واضحة للمجتمع الدولي، أبرزها أن مصر متمسكة بدورها التاريخي في الدفاع عن الحقوق الفلسطينية، وأنها لن تتهاون في مواجهة مخططات التهجير أو محاولات ضم الأراضي. كما عكس اللقاء وحدة الموقف بين القاهرة ورام الله تجاه ضرورة تفعيل حل الدولتين كخيار استراتيجي يفتح الباب أمام سلام عادل وشامل.
بهذا تؤكد الدبلوماسية المصرية أنها تتحرك على مسارات متوازية: وقف فوري للعدوان، دعم إنساني عاجل، تحرك دولي لتثبيت حل الدولتين، وتحضير جاد لإعادة إعمار غزة. وهي رسالة بأن القضية الفلسطينية ما زالت في صدارة أولويات السياسة الخارجية المصرية، باعتبارها قضية أمن قومي وواجب عربي لا يقبل المساومة.

