في تطور دبلوماسي يعكس ثقل الدور المصري في إدارة الأزمات الإقليمية، تلقى الدكتور بدر عبد العاطي، وزير الخارجية والهجرة وشئون المصريين بالخارج، سلسلة من الاتصالات الهاتفية من عدد كبير من نظرائه في الدول العربية والأفريقية والأوروبية والآسيوية، الذين أعربوا عن تقديرهم البالغ لجهود مصر الحاسمة في التوصل إلى اتفاق وقف الحرب في قطاع غزة، والذي يمثل خطوة تاريخية نحو استعادة الاستقرار في المنطقة بعد نحو عامين من التصعيد المستمر.
وأوضح بيان رسمي صادر عن وزارة الخارجية والهجرة وشئون المصريين بالخارج، أن الاتصالات جاءت مساء أمس وصباح اليوم من وزراء خارجية عدة دول، بينهم نظراء من الأردن، والسعودية، وقطر، والإمارات، وفرنسا، وألمانيا، وإيطاليا، وجنوب أفريقيا، والهند، واليابان، إضافة إلى ممثلين رفيعي المستوى من الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، الذين عبروا جميعًا عن إشادتهم البالغة بالتحرك المصري المتوازن الذي أفضى إلى إنجاح المفاوضات المعقدة وصولاً إلى التوقيع على الاتفاق.
وأكد الوزراء خلال اتصالاتهم أن القيادة المصرية لعبت دورًا محوريًا في تهيئة الأجواء الإقليمية والدولية اللازمة لإنجاح جهود الوساطة، من خلال سلسلة من اللقاءات والاتصالات المكثفة التي أجرتها القاهرة خلال الأسابيع الماضية مع مختلف الأطراف المعنية، مشددين على أن مصر أثبتت مجددًا أنها شريك رئيسي وفاعل في ترسيخ الأمن والسلم بالمنطقة.
وأشار عدد من الوزراء، وفقًا للبيان، إلى أن التوصل إلى هذا الاتفاق يؤسس لمرحلة جديدة من التهدئة الدائمة، ويفتح الطريق أمام استئناف الجهود الدولية لإعادة إعمار قطاع غزة، وضمان وصول المساعدات الإنسانية والطبية إلى المدنيين دون عوائق. كما رحبوا بما تضمنه الاتفاق من بنود تضمن تبادل الأسرى والمحتجزين بين الجانبين، وخطة لإعادة الانتشار التدريجي ووقف العمليات العسكرية بشكل كامل.
وفي المقابل، أعرب الوزير بدر عبد العاطي عن تقدير مصر للتفاعل الدولي الواسع مع الاتفاق، مشيرًا إلى أن التوصل إليه جاء ثمرة جهود دبلوماسية مكثفة قادتها الدولة المصرية بتوجيه مباشر من فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي أولى الملف الفلسطيني أولوية قصوى منذ اندلاع الأزمة الأخيرة.
وأكد الوزير أن القاهرة تحركت بمسؤولية واتزان منذ بداية الحرب، منطلقة من ثوابت سياستها الخارجية الداعمة للسلام العادل والشامل، والداعية إلى حل الدولتين كخيار استراتيجي يضمن الأمن والاستقرار الإقليمي.
وأوضح عبد العاطي أن اتفاق وقف الحرب في غزة لا يمثل نهاية المطاف، بل هو بداية لمرحلة سياسية جديدة تتطلب التزامًا حقيقيًا من جميع الأطراف ببنود الاتفاق، والعمل على معالجة جذور الأزمة من خلال استئناف مفاوضات السلام تحت رعاية دولية. كما دعا المجتمع الدولي إلى تحمل مسؤولياته في دعم الشعب الفلسطيني، وتقديم المساعدات اللازمة لإعادة إعمار البنية التحتية التي دُمرت خلال الحرب.
وشدد الوزير في تصريحاته على أن مصر ستواصل دورها النشط لضمان تنفيذ الاتفاق ومتابعة آلياته على الأرض بالتنسيق مع الشركاء الإقليميين والدوليين، لافتًا إلى أن القاهرة تحتفظ بقنوات اتصال مفتوحة مع كل الأطراف، وتسعى لأن يكون الاتفاق مقدمة لتحقيق سلام عادل ودائم في الشرق الأوسط.
وأشار إلى أن القاهرة تعي تمامًا حجم التحديات المقبلة، لكنها تراهن على إرادة الشعوب التي أنهكتها الحروب، مؤكدًا أن مصر ستبقى صوت العقل والوساطة في المنطقة، بما يتماشى مع دورها التاريخي ومسؤوليتها الإقليمية.
كما لفت البيان إلى أن وزير الخارجية تلقى إشادات خاصة من الأمين العام لجامعة الدول العربية والممثل الأعلى للشئون الخارجية بالاتحاد الأوروبي، اللذين أكدا أن الجهود المصرية كانت العمود الفقري لإنجاح الاتفاق، وأن التحركات التي قادتها القاهرة أظهرت قدرتها على الجمع بين الواقعية السياسية والبعد الإنساني في إدارة الأزمات.
وأكد الوزير عبد العاطي في ختام اتصالاته أن مصر ستواصل دعمها الكامل للسلطة الوطنية الفلسطينية في جميع الملفات، وعلى رأسها ملف إعادة الإعمار ورفع الحصار عن غزة، مشيرًا إلى أن القاهرة تعمل مع المجتمع الدولي لضمان عدم تجدد المواجهات المسلحة وتهيئة الظروف لاستقرار دائم يعيد الأمل لشعوب المنطقة في مستقبل آمن ومستقر.
ويأتي هذا التفاعل الدولي الواسع بعد ساعات من إعلان دخول اتفاق وقف إطلاق النار في غزة حيز التنفيذ، وفقًا لخطة سلام أُنجزت بجهود دبلوماسية مكثفة قادتها القاهرة، بالتنسيق مع واشنطن وعمّان والدوحة، وبموافقة الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي.
ويرى مراقبون أن التحرك المصري الأخير يعزز مكانة القاهرة كوسيط موثوق في أزمات الشرق الأوسط، خاصة مع ما أبدته من التزام واضح بالمسار السياسي والحلول الدبلوماسية، في وقت تتزايد فيه الحاجة إلى مبادرات واقعية تحفظ أمن واستقرار المنطقة بأسرها.

